الرأي

مرحبا بعشر الخير

رسائل حب



يقول المولى تعالى: «والفجر، وليال عشر». وقال سبحانه: «ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام». وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل أيام الدنيا أيام العشر ـ يعني عشر من ذي الحجة ـ ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب» رواه ابن حبان. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام، العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام». قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء».
تهل علينا بعد أيام قلائل «العشر الأوائل من ذي الحجة» التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، هي أيام يرتوي فيها المؤمن من ماء الإيمان والقرب من المولى الكريم، لما فيها من الخيرات والأجور المضاعفة.. هذا هو ديدن المؤمن يكون في معية مع الله تعالى في كل أحواله، ويترقب مواسم الخيرات، ويقتنص كل فرصة تقربه إلى مولاه، في ظل زحف جارف من هموم الدنيا وأحوالها المخيفة ومفاجآتها التي لا تنقطع.. فاستشعر ـ رعاك الله ـ عظم هذه الأيام التي هي من أفضل أيام الدنيا عند المولى الكريم، وفيها تكون الحسنات سابقة على الجهاد.. هي فرصة لك بعد أن كنت في رمضان رافعا شعار «لن يسبقني إلى الله أحد» وبعدها فترت همتك وضعفت مبادرتك عن اللحاق بركب الخير.. فرصة لتقوي إيمانك من جديد وتزيل عن نفسك أدران الحياة وتراكم آثار الذنوب والمعاصي..
وإذا أردت أن تستشعر فضل الحجاج الذين شدوا الرحال إلى بيت الله الكريم، فإنه بإمكانك أن تحج بقلبك وبمبادراتك الإيمانية وتكسب الأجر وأنت في مكانك، حتى ترتقي بها إلى مدارج الصالحين خلال العشر الأوائل من ذي الحجة.. فكن فيها مبادراً للصيام ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، واحرص على صيام يوم عرفة، فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة؟ قال: «يكفر السنة الماضية والباقية» رواه مسلم. فصيام عرفة تكفير عن الذنوب والمعاصي السابقة والباقية.. واحرص على صلواتك وقراءتك للقرآن وصدقتك وصلة أرحامك، فهي أيام فضيلة تضاعف فيها الحسنات..
وفي هذه العشر المباركة يسن للمسلم أن يضحي، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا»، رواه الترمذي.
هنيئاً لمن أكرمه المولى تعالى بأن يحج إلى بيته الكريم في هذه العشر.. هنيئا له هذا الاختيار الذي اختاره المولى الكريم من كل البشر ليكون في ضيافة الرحمن.. وقد ورد في الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحجاج والعمار وفد الله عز وجل، إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم». ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة» رواه الترمذي. ولمن اختاره المولى الكريم بأن يعمل في خدمة الحجيج.. فعليه أن يستشعر هذه المهمة الغالية التي أكرمه المولى بها واختاره ليكون ضمن أفراد حملات الحج ليقوموا بدورهم في خدمة الحجيج والسهر على راحتهم، ليؤدوا مناسكهم بيسر وسهولة.
طوبى لكل من حباه المولى تعالى بأن يكون عاملاً في الميدان التعليمي، ويساهم في تربية الأجيال والرقي به، ويساهم في تكوين العقول النيرة المستنيرة التي يكون لها الأثر البائن الكبير في رفعة الوطن ورقيه وازدهاره وتشييد مناراته على كافة الصعد.. لقد بذل معلمونا وجيل الكبار جهوداً مضنية في ميدان التعليم وتخرجت على أياديهم أفواجاً عديدة من الأجيال التي تبوأت المناصب المرموقة في هذا الوطن الحبيب.. ولقد أكرمني المولى بأن أكون أحد أركان العملية التعليمية يوماً ما، وكانت من أجمل السنوات التي مرت بي، لما يمثله لي هذا الميدان من تواصل حميم مع أولياء الأمور، وعلاقة محبة وطيدة مع أبنائي وأحبابي الذين أضحوا اليوم شباباً وقادة يعتد بهم في أكثر من ميدان.. ميدان التعليم على الرغم من التعب والنصب الذي يكابده المعلم من خلاله، وعلى الرغم من عدم مواءمة الجهد المبذول مع ما يحصل عليه المعلم من مميزات.. إلا أننا نؤمن بالإنتاج الجميل الذي يقوم به المعلم، والمخرجات الأجمل التي يجب أن يحرص على تجويدها مهما كانت الظروف.. ومع قدوم عام دراسي جديد نوصي كل معلم بأن يكون معول خير وبناء وتشييد لأجمل المجتمعات، وتكون نيته أولاً وأخيراً بأن يشيد شخصيات تنهض بالمجتمعات وتطورها.. حتى وإن تغيرت الأجيال وتغيرت ظروف التعليم.. فستكون النية الخالصة هي مفتاح التغيير والتوفيق..
سواء كبرت أو «قبرت»، فستكون آثارك الجميلة هي الباقية في حياة البشر.. فلا تتثاقل ولو للحظة واحدة عن فعل الخير، ولا تغرنك تقلبات البشر وأمزجتهم.. «بصمة العطاء» هي الباقية لك وإن نساك البشر وتنكروا لأفعالك الجميلة... فأفعالك الرائعة هي الباقية في موازين حسناتك.. فعندما تقف يوماً تفتح صحائفك.. ستجد كل صغيرة وكبيرة في ميدان الخير.. مسجلة.. ستفرح حينها لأنها ستأخذ بيدك إلى عليين..
* ومضة أمل:
أعشق التغيير.. في كل لحظة من حياتي.. وفي كل ميدان عمل.. سألبس كل يوم لباساً يتناسب وتجارب الحياة.