بحجم التضخم السكاني الذي شهدته مملكة البحرين في الأعوام الأخيرة وتجاوز المركبات التي تسير في شوارعها لأكثر من نصف مليون مركبة إضافة لعشرات الآلاف من المركبات التي تزورنا كل يوم من بقية دول مجلس التعاون الخليجي، حينها سيتحول الحديث عن عدد محطات الوقود الموجودة فعلياً في البحرين إلى «نكتة» لا تصدق. لم يتزحزح عدد محطات الوقود في الأعوام الأخيرة سوى إنشاء بعض من المحطات التي تعد اليوم على الأصابع، وحين يقوم الإعلام المحلي بطرح هذه المشكلة الاستراتيجية الوطنية وتناولها كأزمة حقيقية تشهدها البلاد، يقفز لك بعض «المطبلين» بأنهم في «الطريق السريع» لإنشاء ثلاث محطات للوقود ستشهدها مملكة البحرين قريباً، أمَّا ما يجب على المتكدسين فعله وهم في مركباتهم التي تقف في طوابير المحطات لفترات زمنية طويلة من أجل ملء خزاناتهم بالوقود إلا الصبر والتفاؤل واضعين نصب أعينهم أن الجهات المعنية سوف تقوم ببناء محطات جديدة ربما تغطي كل النقص في كافة مناطق البحرين، وهذه «نكتة» أخرى.نقسم بالله الذي خلق السموات والأرض أننا طفشنا من طوابير السيارات المملة التي تنتظر دورها كل صباح ومساء عند محطات الوقود - القليلة جداً - في مملكة البحرين، حتى أصبح الحديث عن رغبة المواطنين والمقيمين الأعزاء بإنشاء محطات وقود إضافية عند بعض المسؤولين يعادل الحديث عن بناء محطات نووية وذرية، بينما كان بالإمكان لو استمع المسؤول لهذا المطلب من طرف الإعلاميين والمواطنين قبل أكثر من عشرة أعوام خلتْ وبنى على إثر ذلك استراتيجياته الخاصة ببناء محطات على المدى - القريب والبعيد - لكان الوضع اليوم مريحاً للغاية، لكنه أصبح أكثر تعقيداً وأكثر عمقاً حين تحول إلى أزمة.كل أزمة تكون بدايتها مشكلة صغيرة، لكن، لأن الكثير من المسؤولين عندنا يؤجلون ويهملون معالجة وحلّ هذه المشاكل الصغيرة حتى تتحول إلى أزمات اقتصادية أو خدماتية أو وزارية يكون علاجها صعباً، وربما مكلف للغاية، بينما لو اهتم هذا المسؤول أو تلك الجهة المسؤولة لكل المشاكل الصغيرة فعالجوها بالشكل المطلوب في حينها لكنّا اليوم بألف خير، وما محطات الوقود إلا نموذج حي لضعف التخطيط المستقبلي.مع اكتظاظ شوارع المملكة بمئات الآلاف من المركبات، يكون لزاماً أن يكون عدد محطات الوقود موازياً لهذا العدد وبشكل طردي مستمر، أمَّا أن نتكدس كل يوم عند محطات الوقود البسيطة في بلد اجتماعي وعمراني وسياحي واقتصادي وثقافي واستثماري من أجل سواد عين مسؤول لا يريد أن يتفهم حجم هذا الضرر الوطني فهذه مهزلة ليس بعدها مهزلة، فمن يقف محشوراً مع عائلته أو مع عماله أو مع ضيوفه من السائحين كل يوم عند محطات الوقود الصغيرة جداً والقليلة جداً، عندئذٍ يشعر بقيمة كل حرف تناولناهُ هنا، فألم الانتظار وضياع العمر عند «محطة البترول» لا يشعر به إلا من يعاني من نزيف الوقت والأعصاب، فهل من مستشعر لهذا الألم؟