توضيح قبل البدء:إحقاقاً للحق واستكمالاً لمقال أمس فإن استجابة سمو رئيس الوزراء للحملة الإعلامية التي قام بها المغردون، ما كانت إلا استكمالاً لتحمل كافة نفقات علاج الشاعر الكبير علي الشرقاوي التي بدأها على نفقته الخاصة منذ اللحظة الأولى التي أصيب بها الشرقاوي بجلطة في القلب في البحرين، ومن ثم استكملت من خلال رحلة العلاج التأهيلية في بريطانيا أيضاً على نفقة سموه الخاصة، وهذا ما عهدناه من كريم كسمو الرئيس لمستحق كالشرقاوي، فليس بواحد كالشرقاوي الذي تبخل عليه البحرين بجودها وكرمها وهو الذي أعطى لها من نبضات قلبه الكثير. لا يجوز أن تبخل هذه الأرض حين يئن هذا القلب. هذا ما لزم التنويه به أما حديثنا اليوم فهو عن «الإبداع».. الإبداع صعب أن تقيسه بمقاييس تقليدية، بفترة خدمة أو بخدمة أو منفعة خاصة، الإبداع «أثر» الإبداع «بصمة» يتركها فعل لشخص ما، على مجموعة من الناس يكبر قياسه بكبر حجم تأثيره، الإبداع أثر بمنفعة أو استمتاع أو إلهام يسري كسريان الدماء في العروق.الإبداع فعل قد لا يحتاج لكلمة أو لصوت ليحدث تأثيره، فالإبداع «أثر» جميل مريح مبهر، يميزه ندرته واختلافه، وكلما بقي الأثر فترة أطول وكلما انتقل هذا الأثر لجيل جديد، فإنك تتحدث هنا عن إبداع أجمل.ولكل أمة مبدعوها الذين يتركون أثراً جميلاً ممتداً أفقياً لشرائح واسعة من أبناء هذه الأمة، يلامسهم فعله المبدع ويمتد رأسياً على فترة زمنية طويلة لينتقل من جيل إلى جيل، هؤلاء من يجب أن يقال عنهم مبدعون، وهؤلاء من يجب أن تقر لهم الدولة قانوناً خاصاً يحدد و«يفرزن» المبدع، وتضعه ضمن قائمة خاصة تقييمها يجرد من أي انحياز، وأي أمة يوجد لديها مبدع واحد يمتد أثره خارج نطاق حدودها ولو بسنتيمتر واحد فإنها أمة محظوظة، عليها أن تسعد بهذا المبدع وتزيل عنه العقبات ليتفرغ لإبداعه حتى تحظى هي والإنسانية معها بالمنح التي منحها الله لبعض خلقه.هذه المهمة في البحرين موكلة -للأسف- لديوان الخدمة المدنية، وهذا أول مقتل للإبداع، فتلك هي آخر جهة تناط بها هذه المهمة.نحن هنا نتحدث عن مكيال خاطئ لا يكال به الإبداع أبداً، كمن يقيس المسافة بالجرام أو من يقيس الأبعاد بالكيلو، لذا ضاعت حسبة المبدعين في البحرين وكلفنا ديوان الخدمة المدنية بمهمة ليست من اختصاصه وزادت على كاهله مهمة من الصعب عليه أن ينجزها، فقد نجد مبدعين في مجالات عديدة ليست بالضرورة أن تكون فنية أو ثقافية أو رياضية، قد تكون في التكنولوجيا قد تكون في الأبحاث قد تكون في أي موقع آخر أثره الجميل يمتد ليشمل شرائح عديدة وعطاؤهم مميز ومختلف يمتد أثرهم خارج البحرين وربما ينتقل هذا الأثر إلى جيل جديد ينتفع به ويستمتع به، هؤلاء منحهم الله نعمة خاصة يمتحننا كشعب وأمة في مدى تقديرنا لنعمه بأن نقدره هو ونفرغه لإبداعه وعطائه لنستفيد ونفيد الآخرين بما يقوم به من إبداع.فقط للتنبيه لا أتكلم عن تكريم المبدع، تلك قصة أخرى، أتكلم عن تفريغ المبدع كي يعمل ويفعل ويقوم بما يجيد فعله من أعمال.هؤلاء البشر تشتريهم الدول وتستقطبهم وتحاول أن تسترضيهم حتى ينسب لها إبداع هذا الشخص، ولتلك المهمة لجان متخصصة تبحث كالكشاف عن هؤلاء المبدعين في الأرض تعرف كيف تقيمهم بتجرد، وحين تجذبهم لدولتها تفرغهم تماماً وتتركهم ليكونوا هم، كما هم يفعلون ما يرونه هم بسيطاً وعادياً، ونراه نحن إبداعاً، لأنه في النهاية يترك أثراً عميقاً وواسعاً وملهماً للآخرين، إبداعهم ينتفع به علماً وإلهاماً واستمتاعاً لشرائح بشرية عديدة.في نهاية مقالي هذا أطالب ديوان الخدمة المدنية بنشر قائمة المبدعين البحرينيين الذين تركوا أثراً نافعاً أو جميلاً أو ملهماً لأهل البحرين ولغيرهم من البشر، والذين منحهم ديوان الخدمة المدنية حق «التفرغ» مع شرح ما هي تلك المنحة وامتيازاتها؟!!