تختلف أنماط التفضيلات لدى البشر، فالبعض يتعاطى مع تفضيلاته المختلفة في الحياة باتزان، أما البعض الآخر فيتمادى في الانغماس فيها حتى يكاد يزهدها في فترة وجيزة جداً. هكذا يحدث عندما أتعرف على وجبة لذيذة معينة من مطعم محدد، فأرتاد هذا المطعم يومياً لتناول نفس الوجبة، وعندما تلامس قلبي أغنية محددة فأسمعها كل لحظة وكأنني ألغي جميع الأغاني الأخريات، وأرتدي من الملابس لوناً محدداً بشكل متكرر جداً حتى أصل لمرحلة أن أزهد كل شيء، الوجبة والأغنية واللون، فأنتقل لغيرهم من القائمة على نفس المنوال.والقنوات الفضائية الخليجية في تفضيلاتها لا تقل مزاجية وتطرفاً عن بعض هؤلاء البشر، لاسيما فيما يتعلق بالتحليلات السياسية التي أصبحت لا تختلف بتاتاً عن تقليعات الموضة و»هبات» الأغاني الفارغة، حتى صرت أتساءل مع كثيرين عن التحول الذي شهده واقع التحليل السياسي في إعلام الخليج العربي، وأكاد أجزم بأن الناس قد ملت مطالعة تلك القنوات ومحلليها كما بت أشعر. لقد أصبحت بعض قنواتنا الفضائية في الخليج تكرر محلليها السياسيين كما نكرر شربنا للماء بين ساعة وأخرى، بل إن أحدهم يتكرر في كل القنوات ما أن تقلب المحطة إلا وتراه في الأخرى!! ألهذا الحد أصبحنا نعاني من شح المفكرين والمحللين؟! ألهذا الحد أصبحنا انحيازيين على المكشوف في إعلام فقد أبجديات مهنته -للأسف الشديد- ليجعل من محلل واحد بأسلوب مشروخ واحد -محلل القضية الواحدة والفكرة الواحدة- ضيفاً مقيماً في القناة؟!! لقد أصبح بعض المحللين يكرر نفسه بكلمات معدودات بتنا نحفظها عن ظهر قلب، وأصبحنا نتندر ببعضها بقولنا «صاحب المقولة الشهيرة» عند التعريف به، كالأغنية التي نحفظها بإيقاع وكلمات وصوت محددين، ونكرر سماعها في كل مرة.. فهل هذا ما تريده قنواتنا الفضائية؟ لقد أصبح إعلامنا المرئي سلاحاً علينا لا لنا، يعكس سطحية بعض من ادعى الفهم وصنفه الإعلام في قوائم النخب، لقد جعل الإعلام من المجتمع والواقع السياسي الخليجي مجلساً للنوادر وفتل العضلات الكلامية، فيما تختفي وراء هذا الغث عقول سمان محملة بالمعرفة وثاقبة الرؤى.يقال «الشعراء في الزمان أربعة، فشاعر يجري ولا يُجرى معه، وشاعر ينشد وسط المعمعة، وشاعر من حقه أن تسمعه، وشاعر من حقه أن تصفعه»، فكما هم الشعراء أصناف، فالمحللون السياسيون وكل أصحاب المجالات الأخرى أصناف، فهل تجرؤ بعض من بعض تلك القنوات الإجابة حول أصناف ضيوفها؟!!* اختلاج النبض:رسالة إلى تلك القنوات: هنالك فرق شاسع بين التأكيد على معنى معين وخدمة توجه القناة وقضاياها، وبين الإسفاف وتغابي المشاهد، فمشاهد اليوم أصبح شريكاً في صناعة الحدث وقادراً على خدمة القضية مثله مثل وسائل الإعلام وربما أكثر بكثير، إن كان هذا الواقع المخجل يدعى إعلاماً!!