تاريخياً، قاد المثقفون حركات التغيير والنهضة، هكذا يشير المؤرخون حين يؤصلون لعصر النهضة الأوروبية التي بدأت بطفرة في مجال الفن والثقافة وخصوصاً الفنون التشكيلية والنحت، كذلك فإن الثورة الفرنسية والثورة الروسية استلهمتا مبادئهما من الشعراء والفلاسفة الذين أصلوا لمفاهيم معينة التفت حولها الجماهير.ولا يبدو الأمر على هذا النحو في الوطن العربي، فاستنادا إلى بعض المفكرين العرب فإن حركات النهضة الأولى التي بدأت مع بعثات محمد علي باشا ومؤلفات الكتاب الأوائل الذين وازنوا بين الحالة العربية والنهضة الأوروبية، وما تبع ذلك من تأسيس المطابع ورواج حركات النشر وبناء الجامعات وتأسيس الجمعيات والحركات السياسية، تلك الحركات، لم تنجح، أو سقطت، حسب تعبير مفكرين آخرين أكثر تشدداً. وظلت حركات التجديد العربية تدور في الماضوية بين باعث للتراث باعتباره منارة إشعاع، ومحارب للتراث باعتباره جذور تخلف. مما جعل واقع المثقف العربي أحد الأزمات التي يعاني منها الوطن العربي.وكي نقفز سريعاً إلى الواقع الحالي فإن المثقف العربي يواجه تحديين خطيرين أسهما في تحجيم دوره في بناء نهضة عربية. التحدي الأول، انكفاء المثقف على نفسه وابتعاده عن الشأن العام وغرقه في هاجس الإبداع الشخصي القائم على التنظير العام، دون الاشتباك مع هذا الواقع ومواجهته وكشف بناه المتخلخلة، ويعمق من هذا الانكفاء تآكل هامش الحرية الفكرية والحرب الضارية التي تقودها أجهزة الثقافة التقليدية ضد كل من يطرح سؤالاً حول المسلمات «المعلومات بالضرورة». والتحدي الثاني، هو التهميش المتعمد من الدول العربية لمثقفيها، فأغلب التشكيلات النوعية التي عمدت إليها الدول العربية لرسم عمليات الإصلاح والتعديل بعد موجات ما يعرف باسم «الربيع العربي» كانت تقريباً تخلو من المثقفين الحقيقيين، على الرغم من وجود الصحافيين والكتاب وبعض «القُراء الجيدين»، ولكن النخب الفكرية العربية المعروفة كانت مستبعدة تماما، إلا من تحول منهم إلى ما أسماه المفكر العالمي إدوارد سعيد «المثقف العضوي» أي المثقف الموظف عند الدولة الذي يتقاضى راتباً شهرياً نظير أدائه مهامه الثقافية الوظيفية أو غير الوظيفية.كل هذه العوامل لا تجعل الثقافة والمثقف يقودان قاطرة التغيير والإصلاح والتجديد في الوطن العربي كما حدث في النهضة الأوروبية والحداثة وما بعد الحداثة في الغرب، بل ستجعل الثقافة القاطرة الأخيرة التي تحمل البضائع التقليدية للأفكار القديمة.