كثيرة هي عمليات التغيير التي تحصل في مجتمعنا، سواء في الهياكل الإدارية في الدولة، أو في المواقع والمناصب، والأهم فوقها في العمليات والخطط والاستراتيجيات. التغيير بحد ذاته مطلب حتمي في أي بلد يتضمن حراكاً يسعى للتطوير والبناء والتقدم، لكن الفارق بين عملية تغيير وأخرى يتمثل في «الحاجة» التي تستدعي هذا التغيير. البعض يظن بأن التغيير «ترف» وليس «حاجة»، بمعنى أن إيراد مصطلح التغيير ضروري لإضفاء نوع من «الاحترافية» على العمل المراد تقديمه، أو المرحلة القادمة المفترض التعايش معها، وأتحدث هنا مهنياً. القصد بأن البعض يستخدم كلمة «التغيير» لا بهدف «التغيير الحقيقي» بل بأسلوب يحاول معه إقناع نفسه أولاً بأنه يقوم بعملية التغيير ويقنع ثانياً الآخرين بأنه يمارس الخطوة الإدارية الذكية والصحيحة في عملية تعديل المسارات، ألا وهي «التغيير» طبعاً. لكن كل هذه الممارسات، حتى وإن كانت ممارسات صحية وحتمية في عملية التطوير، لا يكون لها جدوى حقيقية إن لم تكن بناء على حاجة، والأهم بناء على «تقييم» و»بحث» عن أسباب التغيير. بمعنى، أن الحاجة للتغيير لا بد وأن تكون موجودة، وإلا فإن العملية برمتها لن تكون سوى عملية شكلية، فيها يتم تغيير وجوه فقط، أو تغيير هياكل، أو إعادة صياغة توجهات أو استراتيجيات أغلبها يكون شكلياً وعلى الورق، بينما الحال يظل على ما هو عليه سابقاً. لنبسط الكلام، لو ارتأت الدولة أو صانع القرار تغيير قيادات في هذا القطاع أو ذاك، لا بد وأن تقوم عملية التغيير على أسس صحيحة، أولاً معرفة أسباب التغيير ولماذا هو حتمي، وما الذي قادنا لنفكر في التغيير؟!في عملية تغيير الأشخاص، لا بد وأن يكون هناك أولاً تقييم لعمل هؤلاء الأشخاص، لا بد وأن نجيب على عدة أسئلة مهمة من خلالها نحدد المسوغات التي تدفعنا لاتخاذ قرار بالتغيير. هل هذا المسؤول وضع في هذا الموقع من منطلق كفاءته وأهليته وقدراته؟! وهل هذا المسؤول نجح في تطوير القطاع وقاده للأمام أم أنه تسبب بتراجعه وتدهور نتائجه؟! هل المسؤول نجح في تحقيق الأهداف الموضوعة لهذا القطاع، والتي من المفترض أن تصب في خدمة الأهداف العامة التي هي مفترض أن تنبثق من الأهداف الرئيسة للدولة من خلال استراتيجيتها العامة -إن وجدت- أو من خلال برنامج عمل الحكومة؟!هذا بالنسبة للأشخاص وتغييرهم، ونقول هنا إضافة على ذلك، بأن عملية التقييم والمتابعة ومعها طبعاً المحاسبة ستكشف لنا عن خياراتنا إن كانت في محلها وإن كنا نجحنا في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، أو العكس، وفي المقابل ستكشف لنا عن النقاط التي يفترض أن نركز عليها في عملية تعيين آخرين يقودون هذه الأماكن، بحيث تكون عملية التغيير بالفعل مؤثرة، ويؤتى بالأشخاص القادرين بالفعل على تجنب أخطاء سابقيهم، ويكون عملهم مؤثراً باتجاه التغيير والإصلاح والتطوير. أما على مستوى الكيانات، وأعني بها القطاعات، فإن عمليات الدمج والتفكيك الحاصلة في بعضها يجب أن تكون وفق مسببات ملحة، وأوضاع تستدعي التغيير، وأن يكون الإجراء المتخذ بالفعل مساعداً في زيادة مرونة العمل وتقنينه وتركيزه، لا أن يكون الأمر مبنياً على حاجات وقتية قد تنتهي في مرحلة ما. أيضاً الاستراتيجيات التي ترسم، وتوجهات العمل التي تتغير، والأهداف التي توضع، إن لم تكن عملية التغيير فيها مبنية على عملية تقييم شاملة لما سبقها، فإننا سنكون قد مارسنا نفس الخلل بحشو الأوراق بكلام جميل مطرز رنان، أو ربط أنفسنا وحراكنا بأهداف بعضها خيالي وبعضها الآخر لا يتحقق، أو نكون نتجه في نفس المسار السابق، وقد يكون مساراً قادنا للتخبط والفشل في محطات، أو يكتب علينا أن نخرج بنفس النتائج، حينها التغيير لن يمكننا أن نقيسه، ولن تتضح معالمه أصلاً. ما أريد قوله، بأن التقييم يأتي أولاً قبل أي عملية تغيير، سواء في الأشخاص ومناصبهم، أو في قطاعات العمل ورسم استراتيجياتها وتحديد أهدافها. التقييم يساعدنا على معرفة الأخطاء التي وقعنا بها سابقاً، يساعدنا على تشخيص حالة هذا القطاع أو ذاك، هو أداة مؤثرة تساعد على وضع الحلول الصحيحة على مستوى الأفراد أو العمليات. لا يمكن أن يستقيم التغيير، وأن يثمر عن نتائج إن تم بدون عمليات تقييم تسبقه، إذ بدون التقييم قد يوجد تغيير، لكنه لن يكون مؤثراً وناجعاً وقوياً مثلما سيكون لو عرفنا بالضبط أين أخطأنا سابقاً وأين تعثرنا ولماذا لم نحقق أهدافنا. التغيير مطلوب وبشدة، فهو أساس التغيير والإصلاح والتطوير، لكنه بدون تقييم لما سبق، سيتحول من تغيير إلى «محاولات ترقيع».
Opinion
بلا «تقييم».. يتحول «التغيير» إلى «ترقيع»!
04 سبتمبر 2016