إن العقد يحتاج لتوافق إرادتين - إيجاب وقبول - على إحداث أثر قانوني معين، إضافة إلى أن تكون تلك الإرادة خالية من العيوب التي قد تشوبها وتؤثر بالتالي على صحتها.والعقد الإداري - شأنه شأن العقد المدني - هو عقد يقوم على توافق إرادتين، وإن كلاً من الإدارة والمتعاقد معها يقبل مختاراً الالتزام بما يفرضه العقد عليه، وهذا هو جوهر الرابطة التعاقدية وما يميزها عن التصرفات الأخرى الصادرة عن الإدارة.والتعبير عن الإرادة في عقود القانون الخاص لا تختلف عنها في عقود القانون العام، إنما هذه الأخيرة استلزم القانون والأنظمة جميعها أن تتم عبر مراحل مركبة متتالية، كالحصول على الموافقات والاعتمادات المالية ثم إجراءات طرح العملية في مناقصة أو ممارسة أو غيرها من أساليب الشراء، إضافة إلى تصديق السلطة المختصة على قرار الإرساء( في بعض الدول) حتى يخرج العقد إلى حيز التنفيذ.وذهب مجلس الدولة الفرنسي إلى أن الإطار الإجرائي الذي يبرم العقد الإداري في نطاقه يشكل عملية مركبة تقود بدورها إلى تكوين التعبير عن إرادة الإدارة. وفي هذا الشأن، قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية بأن العقد الإداري شأنه شأن العقد المدني من حيث العناصر الأساسية اللازمة لتكوينه، فلا يعدو أن يكون توافق إرادتين بإيجاب وقبول لإنشاء التزامات تعاقدية تقوم على التراضي بين طرفين أحدهما الدولة أو أحد الأشخاص الإدارية، إلا أن الإدارة لا تستوي مع الأفراد في حرية التعبير عن الإرادة، إدارية كانت أم مدنية، وذلك لأنها تلتزم بهذا السبيل إجراءات وأوضاع رسمها الشارع في القوانين واللوائح.كما ذهبت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري إلى أن «المشرع وضع أصلاً عاماً ينطبق على العقود المدنية والإدارية على حد سواء، مقتضاه أن العقد شريطة المتعاقدين فلايجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون وأن تنفيذه يجب أن يكون طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية فضلاً عن الالتزام بصريح عبارات العقد متى كانت واضحة في الدلالة على إرادة المتعاقدين........».وإذا كان الأصل هو حرية التعاقد طبقاً لمبدأ سلطان الإرادة، فإن ذلك يظل محكوماً بالضوابط التي يضعها المشرع، سواء في القانون المدني أو القانون الإداري، ولكن تكون القيود والضوابط المنصوص عليها في عقود القانون العام عادة أكثر شدة منها في عقود القانون الخاص، سواء بالنسبة للإدارة أو للمتعاقد معها، وذلك نتيجة الطبيعة الخاصة للعقود الإدارية وارتباطها بحسن سير وانتظام المرفق العام، ومن ثم تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية التي يسعى إليها أطراف عقود القانون الخاص......يتبع.