يعود الفضل لنجاح الزيارة التي قام بها جلالة الملك لتركيا إلى سياسة البحرين الخارجية المتوازنة الهادئة في بناء و امتداد تحالفاتها الإقليمية مما يؤهلها للعب دور إقليمي أكبر في تقريب وجهات النظر بين تركيا و من يختلف معها عربياً، فحاجتنا لمحور عربي تركي -إن وجد – لا تقل أهمية عن حاجة تركيا لمثل هذا المحور من أجل التصدى للمشاريع التقسيمية الموجهة لكليهما (العرب والأتراك)، وحاجة البحرين لا تقل أهمية للعب هذا الدور الذي يعزز موقعها الإقليمي والدولي مستقبلاً. الإشارات التي أطلقتها تركيا حول رغبتها في التقارب مع مصر سواء التي سبقت زيارة البحرين أو التي صاحبت تك الزيارة إشارات هامة في حال ترجمتها تركيا إلى أفعال، إذ إن تركيا أحوج ما تكون اليوم لتصفير مشاكلها للتفرغ للأزمات الداخلية بعد الانقلاب الفاشل، وبعد الكشف عن حجم تغلغل «الدولة الموازية» لجماعة غولن، وهذا للمفارقة هو ما عانت منه مصر من جماعة الإخوان المصرية، ولسنا بحاجة لتذكير السيد أردوغان بردة فعل جماعة الإخوان المتشنجة في مصر حين زارهم في 2011 ودعاهم للتأسيس لدولة علمانية الدين فيها لله والوطن فيها للجميع، حين وصفوا دعوته بتدخل غير مقبول في الشأن المصري، ونتيجتها أن الشعب هو من خلع الإخوان بعد أن حاول الإخوان خلع الشعب المصري واحتكار الدولة لهم! خطأ تركيا في ذهابها بعيداً والفجور في خصومتها مع مصر، خطأها بالانحياز لأحد أطراف النزاع المصري المصري، وهو تدخل لم تقبله هي من غيرها، ولعودتها اليوم إلى المربع الأول من أجل تصفير مشاكلها مع مصر تحتاج تركيا لشريك يقارب بين وجهات النظر التركية مع المصرية، شريك عربي مقبول من الاثنين للبحث في جسور الثقة التي تحتاجها مصر، و هذا ما يمكن للبحرين أن تقوم به في ظل التقارب البحريني التركي، ورغم أن سياسة «التصفير» هي سياسة أوغلية في الأساس يعود الفضل فيها لوزير خارجية تركيا الأسبق أحمد داود أوغلو، وتختلف عن الطريقة الأردوغانية، فأوغلوا حين صفر مشاكل تركيا اتخذ قراراً بعدم التدخل في شؤون الدولة التي يريد أن يصفر علاقته بها، وهذا ما لم يقم به أردوغان، لذا فإن العودة للسياسة الأوغلية تتطلب أن تكف تركيا عن انحيازها لطرف في النزاع المصري، خلاصة القول مهما اختلف الاثنان إلا أن الاثنان (أردوغان و أوغلو) لن يختلفا على أهمية مصر والمملكة العربية السعودية لتركيا في هذا الوقت تحديداً، ولن يختلفا على موقع البحرين من الاثنين المملكة العربية السعودية و مصر، موقع يسمح لها أن تكون مصدراً للثقة والاطمئنان من الطرفين.التقريب بين أوجه الخلاف الخليجي التركي في ثلاثة ملفات الملف الأخواني والملف السوري والملف الإيراني يحتاج لوسيط يعرف ماذا يعني تهديد إيران لدول الخليج، وسيط اكتوى بنيران إيران، ووسيط لم يتورط في الصراعات الإقليمية ولم يتدخل في الشؤون المحلية لأي دولة تعاني من الاضطرابات فينحاز لطرف دون آخر.ولتركيا مواقف مع البحرين ليست «أقوالاً» بل أفعالاً اختبرناها في 2011 فكانت «أفعالاً» لن ننساها ما حيينا، ورغم أنها أفعال ليست معرضا الحديث والتداول اليوم، إلا أن الشعب البحريني من حقه أن يعرف أن تركيا ساهمت بحفظ أمننا فعلاً في 2011 وكانت لنا سنداً، واليوم في نهاية زيارة جلالة الملك حفظه الله في 2016 حين تؤكد تركيا من جديد أن أمن البحرين من أمنها، فإننا نعرف ماذا تقول، وعلى الآخرين هنا من أتباع إيران أن يعرفوا كذلك حقيقة ما تقول فالبحرين ليست وحدها وليست تلك اللقمة السائغة التي يظنون، البحرين بقوتها الذاتية في شعبها وباعتمادها من بعد الله على حلفاء لا ينتظرون طلب العون بل يرون في أمن البحرين أمنهم عصية عليهم، هذه المكانة البحرينية لدى الأتراك التي يقابلها ذات الثقل والمكانة لدى الإخوة في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات تؤهلها أن تنشط لتلعب دوراً بناء في إزالة العوائق التي تحول دون قيام محور استراتيجي عربي تركي.