تعاملت صديقة لي أثناء وجودها في مصر مع 3 شخصيات مصرية تمنت لو أن صفاتهم يتمتع بها الشعب العربي كله كي تتقدم أمة العرب.لا يهم ما هي وظيفة هؤلاء الأشخاص، المهم هو الإخلاص والأدب والأخلاق، هذه الصفات الجميلة الراقية التي تميز بها عملهم ومنحها الراحة التي أرادتها في إجازتها.أول تلك الشخصيات، مديرة بيتها، المخلصة في عملها، الحريصة على مالها من خلال ما تحتفظ به من حسابات أنفقتها على البيت أثناء فترة غيابها، وهي تتابعها معها عند حضورها بكل دقة وإخلاص.إلى جانب ما قامت به من تصليح ما قامت به الشركة التي قامت بتشطيب بيتها من قبل، واكتشفت بعد بنائه كمية الغش الذي تضررت بسببه من أصحاب الشركة وعمالهم، كان صاحب الشركة والعاملون يحرصون على صلاة الجماعة، وكل واحد لديه «دمغة» على جبهته، وكأنها لزوم إظهار التدين، بينما ربما يكون قد افتعلها غشاً كما يمارس عمله، حيث يفصل الكثير من المسلمين في الدول العربية والإسلامية بين عباداتهم وسلوكهم اليومي المطلوب فيه أيضاً النزاهة والإخلاص، النابعان من الضمير الحي الذي يخاف الله في عمله فيتقنه. والشخصية الثانية، كانت السائق الحاصل على تخصص محاماة، ومع ذلك لم يستنكف أن يعمل في وظيفة سائق في أثناء إجازة القضاة السنوية، لكي يتمكن من زيادة راتبه ومواجهة احتياجاته لدراسة الماجستير بشرف وخلق عالٍ.أما الشخصية المصرية الثالثة، فقد كانت العاملة المصرية التي جاءت للإقامة معها لتلبية احتياجاتها أثناء إقامتها بمصر، إذ تمثلت فيها النظافة التي تمنت، وهي تحدثي عنها، أن توجد في جميع أنحاء مصر، كما ذكرت لي هذه الصديقة، ومدى ما تتمتع به هذه العاملة من كبرياء الشعب المصري الأصيل، وهي تحدثها أنها لا تخجل من جهلها، ولا عملها في البيوت، لأنها استطاعت بهذه المهنة أن تقوم بتدريس بناتها في الجامعات المصرية وأصبحت إحداهن مهندسة ديكور، والأخرى موظفة في القطاع الخاص.هذه المرأة المسنة كانت تعمل بكل نشاط وحيوية في بيتها، كما وصفتها لي، فتقوم برفع المساند فوق الكراسي في غرفة المعيشة، وضربها بيديها وتنظيف ما تحتها، ثم تقوم بإزالة السجادة بحملها إلى جهة أخرى من الغرفة، لتعمل على تنظيف ما تحتها، وإعادة الأثاث إلى مكانه، كل ذلك بحماس حيوي يومي يصاحبه حمدها لله وشكره على ما أعطاها من قوة للعمل. ثم تنتقل إلى غرفة النوم في بيتها لتزيل المخدات والشراشف لتضعها في الشمس كل يومين، لتقضي على إمكانية أن تكون هناك أية جراثيم بها. لقد وجدت صديقتي الخليجية في هذه السيدة نظافة أنعشت نفسها.وانتقلت في حديثها معي إلى السائق المؤدب الحريص على مواعيده بالحضور، وعدم تدخله في حديثها في السيارة مثلما لاحظت مع سائقين غيره، إضافة إلى نظافة ملابسه، وثقافته عندما تحدثت معه مما رفع قدره في نظرها.وبعد، إن الدين الإسلامي يؤكد على أن النظافة والإخلاص في العمل والحفاظ على المال العام هي صفات تعد من صميم صفات التدين، وعدم ممارستها في العمل يعد ذنباً يرتكبه المسلم، خصوصاً عندما يكون هذا الشخص مسؤولاً عن عمل في مؤسسة خاصة في بلاده أو في مؤسسة حكومية، ونرى ذلك واضحاً في دول أوروبا التي أخذت أخلاقنا الإسلامية في النظافة والإخلاص في العمل والنزاهة في معظمها بالنسبة للمال العام وأصبحت من الدول المتقدمة. لقد أصبح استغلال هؤلاء المؤمنين المزيفين الذين يتواجدون بكثرة في الدول الإسلامية، عاراً على الدين الإسلامي، خاصة أن هذا الدين العظيم جعل من يتلاعب بالمال العام يناله عقاب أليم يصل إلى أن يصلى بنار جهنم.المهم أنني من خلال صديقتي تعرفت على ثلاثة نماذج مصرية مشرفة أحببت أن أكتب عنها احتراماً وتقديراً لعطائهم المخلص في أعمالهم بنفس الإخلاص الذي يؤدون به صلواتهم. وتمنيت لو ازداد أمثال هؤلاء في الدول العربية، لننهض بدولنا إلى مستوى الدول المتحضرة، هذه الصفات المؤسسة لكل حضارة متقدمة، وابتعادنا كمسلمين وعرب عنها يجعلنا نصبح في ذيل هذه الأمم المتقدمة، خاصة وأن الدول الكبرى تتلاعب في مصائرنا وكأننا ألعوبة في يدها، فمتى يحين الوقت أن نستيقظ ونسير على مبادئ ديننا الحقيقية لنصبح مثلها دولاً قوية وحضارية؟