المجتمع الطائفي مجتمع غير منتج، مجتمع مشغول بغيره عن بناء نفسه، مجتمع يعيش خارج الكوكب. هو مجتمع مشلول وعاجز عن دخول معادلات الحضارة وسباق التقدم والتمدن بين كافة المجتمعات المعاصرة، فالمجتمع الطائفي لا يستطيع أن ينظر أبعد من «أرنبة» أنفه، ولا يمكن أن يفقه سر بقاء الأمم وخلودها في الحياة وعبر التاريخ، ولهذا نراه دائماً ما يجتر الماضي لمواجهة تحديات الحاضر ليخسر كل شيء، وما أن تنتهي به عاصفة التخلف التي تجره نحو حتفه، حتى يدخل في معركة أتفه من أن تتقاتل عليها حشرات لا تعي قيمته ولا وزنها بين المخلوقات.المجتمع الطائفي لا يرغب في التعلم ولا يتعلم من الدروس وحوادث الزمان، فهو مجتمع منغلق على نفسه، يرى أنه يملك الحقيقة المطلقة كما يملك الحق في تسفيه كل من يختلف معهم في تفاصيل التاريخ والفقه والعقيدة وحتى البديهيات التي لا يمكن لأي مجتمع سوي أن يختلف عليها، فالمجتمع الطائفي موتور بجنون، فلا هو قادر على السير للأمام ولا هو بقادر على أن يعود للماضي، ولهذا نجد هذا النوع من المجتمعات لا قيمة له في معادلة الوجود.حين يتقاتل أبناء هذا المجتمع حول طريقة الوضوء وكيفية الصلاة، وحين تسفك دماء الملايين على تفسير حدث تاريخي أو آية من آيات القرآن الكريم، أو ترخص دماء جيل بأكمله بسبب موقف ميَّال أو معادٍ لشخصية تاريخية بعينها أو بناء موقف مصيري بسبب موقف حدث قبل آلاف السنين فيتناوله هذا المجتمع كحدث طازج حدث قبل سويعات، حينها يكون من المؤكد أننا نتحدث عن أفرد مجانين يعيشون في مجتمع موبوء، لا يستحق أفراده أن يعيشوا في هذا القرن المشحون بالاكتشافات والاختراعات والتطور التكنولوجي والعطاء الفكري والثقافي والتقدم المدني.لا يمكن أن نصدق أن مجتمعاً يتقاتل أبناؤه بسبب تفسير «حدوتة» تاريخية أو موقف حدث لشخص ما في زمن ما وبسبب ظرف ما، فنقوم باسترداد كافة تفاصيل تلكم الحادثة التي لا يعلم مدى حقيقتها إلا الله لنقيِّم ونقيس علاقاتنا الإنسانية مع بعضنا البعض وِفْقَها وتحت رحمة مسطرتها دون إعمال العقل فيها وفي نتائجها!حين نريد أن نفتح لأنفسنا ولمجتمعنا خيط أمل وبصيص نور، لابد لنا أولاً أن نتجرد من خرافات الطائفية وموادها وقيمها ومعاركها وحساباتها بشكل صريح وواضح، كما يجب عدم إثارة كل النعرات الرخيصة التي تؤدي إلى الهَلَكَة في ظل مجتمعات تهرول بسرعة الضوء نحو الفضاء واكتشاف علاجات وأمصال لكل أمراض العصر، فلا تنام إلا على اختراع ولا تستيقظ إلا على اكتشاف مثله، بينما نحن مشغولون بأنفسنا ونقاتل بعضنا بعضاً بسبب رواية تاريخية أو بسبب خلاف تافه حول مسألة اتجاه القبلة، وما إلى ذلك من القضايا الخلافية الساذجة، ألا يكفينا كل هذا الكم من «العبط» أن نكون في نظر العالم مجرد أضحوكة خالدة بدل أن نكون أمة خالدة؟
Opinion
«الطائفيون» الرقم التافه في معادلة الحضارة
05 سبتمبر 2016