هي مكة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك أحب البقاع إلى الله، وإنك لأحب البقاع إلي». هي مكة التي تحكي أرضها قصص نبي الهدى صلى الله عليه وسلم الذي عاني الكثير من أجل أن ينشر الإسلام ويوصل دعوته الخالدة إلى كافة الأمصار.. هي مكة التي تحتضن بيت الله الحرام الذي تتشوق إليه الأفئدة لتغسل نفسها من أدران الحياة، لتخرج من ذنوبها كيوم ولدتها أمها..فما أروع أن يطأ المرء قدمه على أرض مكة منبع الوحي والرسالة المحمدية السامية.. وما أجمل أن يستنشق فيها تلك النسمات الإيمانية الخالصة التي تفجر في نفسه ينابيع الخير، وتجدد حياته من بعد تعب ونصب.. هي كذلك رحلة الحج الإيمانية، رحلة إلى الدار الآخرة يكتب من خلالها المرء أجمل لحظات حياته، ويبقى على أمل وشوق بلقاء ربه بعمل يتقبله عنده في عليين.. المملكة العربية السعودية رعاها الله وحفظها ووفقها، بذلت وما زالت جهوداً مضنية وجبارة في سبيل العمل على راحة حجاج بيت الله الحرام، فالمتتبع لجهود تطوير الحرمين الشريفين، وبخاصة المسجد الحرام بمكة المكرمة، يدرك الحرص الشديد الذي توليه المملكة برئاسة خادم الحرمين الشريفين لتوفير الأمن والأمان والسلامة في أداء مناسك الحج، فمساحات الحرم المكي الشريف تضاعفت في ظل التوسعة الجديدة لخادم الحرمين الشريفين لتستوعب ضيوف الرحمن ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وطمأنينة.هنيئا للحجاج وهم ينتظرون بشوق وترقب يوم عرفة الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أعظم يوم في العام على الإطلاق.. يوم من أروع مواسم الطاعات والقربات تشتاق إليه النفوس وبخاصة حجاج بيت الله الحرام.. فهنيئاً لمن خطى خطواته بثبات واشتياق لبلوغ ساحات عرفة.. ففيها يباهي المولى تعالى بأهل عرفات أهل السماء.. كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء».. هنيئا لمن أكرمه المولى تعالى بصفاء نفسه في أطهر بقعة على وجه الأرض.. يرتقب باشتياق ترديد خير الدعاء.. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»..المتأمل للحشود الإيمانية التي تجتمع في مكة لأداء مناسك الحج، سواء في الحرم أو في بقية المشاعر، وبخاصة عند الوقوف بعرفة، يتذكر مصيره عندما يقوم الناس لرب العالمين.. والكل ينادي «نفسي نفسي».. بالفعل هو حشر يذكر بيوم القيامة.. وهي صورة مقربة عن لحظات سنعيشها في الآخرة.. فرحماك ربنا بنا رحماك.لمكتب شؤون حجاج البحرين وعلى رأسهم فضيلة الشيخ عدنان بن عبدالله القطان، ولجميع العاملين في حملات الحج أجمل باقات الشكر والعرفان على الجهود الكبيرة المبذولة في خدمة حجاج بيت الله الحرام، والحرص على راحتهم وأداء مناسكهم بالصورة المطلوبة.ما يميز الحج أنك تبتعد قليلاً عن أثقال الحياة ومتاعبها، وتبتعد عن كل تجاذبات الأيام، وتغير من وتيرة التعاملات البشرية القاتمة.. فتلقي بظلالك على أرض مكة التي تنقلك إلى مراتب الخير، وتشغلك بمقامات إيمانية تزيدك قربك من مولاك.. معاني الإخاء تتجدد في الحج، فكل من تربطه معك وشائج الأخوة منذ فترة، ولم تتمكن من خلالها أن تعززها أو ترتقي بها لكثرة مشاغل الحياة وتسارع الأيام، فإن الفرصة مواتية خلال أيام الحج بأن تكون قريباً من تلك القلوب المحبة المخلصة، لتذكرك بالله تعالى وتأخذ بيدك في الخير، وتستذكر معها أجمل الأيام وأحلاها، وتجدد معها أواصر الأخوة الربانية حتى تنطلق قافلتها من جديد في مسير الحياة.. أما العلاقات الجديدة فهي الأخرى لها الصدى الجميل في حياتك خلال هذه الأيام، فالحج يجمع كل الشعوب المسلمة في محضن واحد بجميع لغاتهم وجنسياتهم، فتكون الفرصة المواتية لفتح آفاق التعارف «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»..كل حاج يتمنى أن تكتب له صفحة جديدة بعد الحج.. يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.. فهو يرغب أن يعيد صياغة تلك الصفحات المملة التي لم تغير شيئاً من حياته، وتكرر فصولها في حياته دون أن يحس بأنه قد استفاد منها ما يغير من رتابة نفسه وعلو همته ورفعة إيمانه.. هي الصورة المثلى التي يجب أن يخرج بها الحاج بعد أن ينتهي من أداء مناسكه.. فالسعيد هو من اغتنم أيامه في طاعة ربه واستثمر كل لحظات وقته في الحج فيما يقربه إلى الله سبحانه وتعالى، فقد ترك الأهل والولد.. وأنفق الكثير ليغسل نفسه ويجدد إيمانه ويغير صفحات حياته.. بشرط أن تكون هذه الصفحات هي بوابة التغيير نحو الأجمل.. نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق جميع العاملين في المملكة العربية السعودية القائمين على خدمة ضيوف الرحمن، وأن يبارك في جهودهم وأن يحفظهم من كل شر وسوء.ونسأله تعالى أن يحفظ حجاج بيت الله الحرام، وأن يعينهم على أداء مناسكهم بكل طمأنينة في أجواء إيمانية جميلة، وأن يتقبل منهم عملهم وأن يرجعهم إلى بلادهم وأهليهم سالمين غانمين.* ومضة أمل:للنفس تزكية خاصة في الحج.. لا يتحقق مرادها.. إلا بإخلاص النيات والعطاء اللامحدود في خدمة حجاج بيت الله الحرام.
Opinion
رسائل من أرض مكة
09 سبتمبر 2016