«كل عام وأنتم بخير». هذه الديباجة التي تلزمنا مناسباتنا الموسمية أن نطلقها في وجوه من نحب ومن لا نحب، وسواء كنا بخير أم لم نكن بخير، فإن هذه العبارة تعتبر من المحفزات التي يمكن من خلالها أن نستحصل بعض الخير والكثير من السعادة حتى ولو كانت الدنيا «تعاكس» رغباتنا وأمنياتنا وتطلعاتنا في زمن أصلب من الحجارة وأقسى من الجفاف.في العيد يستريح المحارب وتنسى الأحقاد وتنتعش الآمال ويستبشر الموتى قبل الأحياء، لكن في عصرنا الإسمنتي هذا نردد ببرود القبور، «كل عام وأنتم بخير». فالناس لم تعد كما كانت، فالقلوب تنافرت، والأحبة افترقوا على إرث وميراث، أما السياسي ورجل الدين والتاجر والطبيب والمحامي والمهندس والفلاح والنجار والموظف والمسؤول فإنهم يحسبون أرباحهم قبل إنسانيتنا، فيحاربون كل الفقراء والجياع من أجل استحصال دنانيرهم في زمن قل فيه المعروف، فهم الذين يحلبون عباد الله حلباً، وحين يحين موعد العيد يقولون بلسان فصيح «كل عام وأنتم بخير»!«كل عام وأنتم بخير». ديباجة بلا طعم ولا لون ولا رائحة، فهي عبارة ميتة أصبحت تعيش في خلايانا النائمة، وهي من أبرز سمات «برستيجنا» التافه الذي نتفاخر به حين نفلس من بناء ذواتنا أو نعجز عن اللحاق بركب الحضارة والعلم والتقدم، فنقولها إذا جاءت كل مناسبة يفترض بها أن تكون سعيدة وهي ليست كذلك، لأننا لم نعد نحترم ما حولنا من ألوان وشعوب وقبائل حتى غدونا نقدس المدنس في هوسٍ من انتفاخ الذات وعبادة الأنا، فجاءت «كل عام وأنتم بخير» لخداع من حولنا وخداع أنفسنا قبل ذلك.«كل عام وأنتم بخير»، ولو كنا بخير لما رددنا هذه العبارة في زمن رخيص بارد يسكنه فجور الخصومة والكراهية وانتقاص قدر الآخر بسبب وبدون أي سبب، فالعيد في عرف المخرفين والمهرجين والمهرطقين عبارة عن يوم نقول في بداياته وقبل أن ننام على أوجاع الغير «كل عام وأنتم بخير»، بينما تنطق كل حياتنا بتفاصيلها الكئيبة كل أنواع الشرور وتختزل كل معاني الأنانية.«كل عام وأنتم بخير». خاتمة يومٍ نقولها ونحن على غير ثقة أن يكون عامنا هذا بخير، فالناس لا يستطيعون أن يغيروا الزمان ما لم يغيروا ما بأنفسهم، وقبل أن يدفعنا حماس الكلمة الشهيرة «كل عام وأنتم بخير»، علينا إعادة صياغة فكرنا وواقعنا وسلوكنا وتقويم ما اعوج منه، حتى نقولها حين نقولها ونحن رواد الحضارة وسادة المستقبل وقادة الأمم، فبدون هذا الطموح المشروع ستسقط هذه العبارة سهواً في غيابات النفاق والتقهقر والتخلف والجهل، وما أسوأه من سقوط. وعلى نقيض ما قلناه نقول لكم أخيراً «نتمنى أن تكونوا كل عام وأنتم بألف خير»، شريطة أن تقرؤوا ما بين السطور.