أولاً - التحكيم.أصبح التحكيم، في عصرنا الحاضر، مطلباً هاماً وعنصراً أساسياً من عناصر إبرام عقود الدولة الإدارية وعلى الأخص مع المتعاقد الأجنبي في التعاقدات ذات الطابع الدولي والمشروعات العملاقة. فالاعتبارات العملية المختلفة تحتم دائماً اللجوء إلى التحكيم عوضاً عن القضاء العادي، نتيجة ما يتمتع به المحكمون من خبرة فنية عالية في الموضوع محل النزاع، إضافة إلى سرية الجلسات، وسرعة البت في النزاع اختصاراً للوقت والجهد واقتصاداً في النفقات.وفي ظل سيادة الاعتقاد لدى بعض الشركات الأجنبية العملاقة بأن الأجهزة القضائية في الدول النامية ليست على درجة كافية من الاستقلال، وفي ظل غياب الدراية والعلم الوافي بشؤون الاستثمار الدولي لدى المحاكم الوطنية في هذه الدول، فإن التحكيم الدولي بات وسيلة مقنعة ووحيدة من وجهة نظر المستثمر الأجنبي لتسوية وفض منازعاته مع الدولة المضيفة للاستثمار.ونتيجة لدخول الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة التابعة لها كطرف في العقد الإداري ذي الطابع الدولي، فإن التحكيم يكون في هذه الحالة هو الوسيلة الدائمة والوحيدة المرجحة لحل المنازعات الناشئة عن ذلك العقد، حيث من الصعوبة إخضاع تلك الدولة لقضاء دولة المتعاقد الأجنبي، على خلاف التحكيم الذي تشارك فيه الدولة بمحض إرادتها باختيار المحكمين واختيار القانون الواجب التطبيق على الإجراءات وعلى النزاع.,تدخل التحكيم كقضاء خاص، أو كوسيلة بديلة هامة من وسائل حل المنازعات، في مختلف فروع القانون وأثبت نجاحه وتميزه وتطوره، وعلى الرغم من وجود بعض العقبات في البداية فيما يتعلق بالتحكيم في العقود الإدارية وخاصة في فرنسا، إلا أن ذلك التشدد الفرنسي بدأ يخف قليلاً عندما صدرت عدة تشريعات تجيز التحكيم في بعض أنواع العقود الإدارية ذات الطابع الدولي.كما أن التحكيم في العقود الإدارية في مصر مر بعدة مراحل ما بين المد والجزر، حتى بعد صدور قانون التحكيم رقم «27» لسنة 1994، فقد اختلفت أحكام المحاكم والآراء القانونية الصادرة من مجلس الدولة، إضافة إلى اختلاف آراء الفقهاء. الأمر الذي حدا بالمشرع المصري أن يصدر القانون رقم (9) لسنة 1997 بتعديل القانون رقم (27) لسنة 1994، أجاز فيه صراحة التحكيم في عقود الدولة الإدارية بشرط موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة.أما في مملكة البحرين فليس هناك نص قاطع بجواز التحكيم في العقود الإدارية في أي من القوانين، الأمر الذي أدى إلى تقدم مجلس المناقصات والمزايدات بطلب الرأي القانوني من هيئة التشريع والإفتاء القانوني بشأن مدى جواز تضمين العقود التي تبرمها الوزارات والجهات الحكومية المختلفة لشرط التحكيم.وفي 25 مارس 2008 أفتت الهيئة بجواز التحكيم في العقود الإدارية. وذلك بناء على العديد من المسوغات القانونية والعملية. وبناء على هذا الرأي؛ أصدر مجلس المناقصات والمزايدات تعميماً لمختلف الجهات الخاضعة لقانون المناقصات والمزايدات بشأن جواز إدراج شرط التحكيم في العقود الإدارية.واتفاقيات الاستثمار الثنائية ومتعددة الأطراف وكذلك تشريعات الاستثمار الحديثة، تهدف بشكل أساس إلى منح المستثمرين الأجانب ضمانات المعاملة العادلة والمنصفة والحماية والأمان الكاملين.وأساس تلك الضمانات مبنية على أعراف القواعد في القانون الدولي التي تتم الإحالة إليها باعتبارها الحد الأدنى من الضمانات التي تطلبها الدول لرعاياها خارج إقليمها. وتم إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية بشأن الاستثمار بعدما أصبحت الاستثمارات الأجنبية في الدول النامية مطلباً هاماً لا يمكن الاستغناء عنه.وحرصت هذه الدول سواء في نصوص هذه الاتفاقيات أو في تشريعاتها المختلفة على توفير الحماية اللازمة والضمانات المناسبة للمستثمرين الأجانب.ويعتبر التحكيم الوسيلة المألوفة والمفضلة لحسم منازعات تلك الاستثمارات، بل إن تطور وتنوع وازدهار هذه الاستثمارات صاحبه أيضاً انتشار غير مسبوق لثقافة التحكيم. وأصبح التحكيم تبعاً لذلك ليس فقط لحل منازعات الاستثمار الناشئة بين الدول النامية والمستثمر الأجنبي، بل أصبح معروفاً ومألوفاً في تسوية منازعات الاستثمار بين أطراف من جنسيات مختلفة ومن دول غربية متطورة جداً. فنجد التحكيم موجوداً في عقود استثمارات دول نامية وفي دول متطورة ومتقدمة مع مستثمرين أجانب من دول أخرى كبيرة.يذكر أن انتشار مؤسسات ومراكز التحكيم العالمية والإقليمية ساعد كثيراً على نشر ثقافة التحكيم وتبسيط إجراءات اللجوء إليه، وسرعة إنهاء المنازعات المعروضة، وتوافر قوائم دولية لمحكمين دوليين من أساتذة القانون والاقتصاد والخبراء في العالم، وقد حازت تلك المؤسسات والمراكز ثقة وتقدير الدول، وكذلك المنظمات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية ذات العلاقة بالأنشطة الاقتصادية العالمية.كما نتج عن انتشار التحكيم وما تم نظره من قضايا تحكيمية عالمية وضع سوابق قضائية من الأحكام المسببة الصادرة من قبل هيئات التحكيم المختلفة في المسائل الموضوعية القانونية والسياسية والاجتماعية، وعلى الأخص ما يتعلق منها بالعقود الإدارية ذات الطابع الدولي.