كتب- أحمد الجناحي:عاشت المنامة عاصمة السياحة العربية في ليلة ظلت حتى شروق الشمس، ضمن فعاليات أدبية وسينمائية وموسيقية، متأملة ذاكرة ربع قرن على تأسيس متحف البحرين الوطني، الذي يعد أول متحف في منطقة الخليج العربي، عبر مهرجان «ما نامت المنامة»، الذي تنظمه وزارة الثقافة كأول حدث في المنطقة، وذلك بالتعاون مع السفارتين الفرنسية والإيطالية.أطلقت الفعالية الأولى عند الساعة 8 مساءً بتدشين مهرجان»ما نامت المنامة»، في متحف البحرين الوطني، بحضور وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، إذ تعرف الجمهور على جديد متحف البحرين الوطني، وآخر معارضه في جولة سريعة، قبل الانتقال إلى الصالة الثقافية حيث أحيت أوركسترا فرساي حفلها الأول في منطقة الخليج العربي والثاني على مستوى الوطن العربي، باستخدام آلات عزف عريقة يصل عمر بعضها إلى مئات السنوات، بالتنسيق ما بين وزارة الثقافة والسفارة الفرنسية، تبعها معرض في بهو المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي للفوتوغرافي الفرنسي إيريك بونيير، الذي استعرض جولته في مملكة البحرين والجماليات التي التقطها خلال زيارتيه في ديسمبر 2012م وأبريل 2013، قبل أن تستمر عروض الفن، والموسيقى واللقاءات الجماعية طيلة الليلة حتى الساعة 7 من صباح يوم أمس الاثنين.دويتو إيطالي متناغموتواصلت السهرة بسلسلة من الفعاليات والأنشطة، حيث عاد الجمهور عند الساعة 10:30 مساءً إلى المتحف ليسجل حضوره في حفل بيانو للدويتو الإيطالي المتناغم والمنسجم «Luciano Bellini AntonellaVitelli»، اللذين قدما روائع المعزوفات على البيانو ذاته في صالة المتحف، حيث تركت المقطوعات المتنوعة والمتعددة أثرها في مسامع الحضور، وأخذت بيدهم إلى عالم الموسيقى عابرة المسافات نحو أبجدية تواصل أخرى بين أطياف الجماهير المختلفة من كل الأعراق والجنسيات، ليتصافحوا يداً بيد بعدما صنعت الموسيقى بتلك الأبجدية المختلفة لغة للصداقة، اعتمد حفل البيانو على إضاءة الصالة ذاتها التي ساهمت برفقة الهدوء وموجة البرد في استرجاع تاريخ البحرين العريق.محفوظ وسلسلة أطيافومن الموسيقى إلى الأدب، انتقلت الجماهير إلى سلسلة أطياف، حيث دارت جلسة نقاشية في قاعة المحاضرات بالمتحف حول فكر الأديب المصري نجيب محفوظ «الذي يتناوله الإصدار الخامس من سلسلة أطياف»، برفقة الدكتور عبدالقادر فيدوح، الذي حرر هذا الكتاب وجمع ودرس كافة أوراق العمل المنشورة إثر تواصله مع 20 محللاً ومثقفًا عربياً، وأوضح فيدوح، أن نجيب محفوظ هو الوعي النابض للفكر والثقافة العربية لاستطاعته أن يحصل على وعي معرفي انتقى من خلاله كيف يدير الوعي الاجتماعي، وكيف يوجه مستقبل الثقافة العربية «نحن لاننظر إلى نجيب محفوظ أنه يروي قصصاً، صحيح أنها قصص، والقصص تحمل مضامين كثيرة، هناك مضامين خارجيه ومضامين داخليه خفية، ومايقصده نجيب هو مضمون خفي ودلالة، يريد أن يرسل رسالة اجتماعية إلى الإنسان العربي الذي اعتبر أنه بحاجة إلى وعي يوجهه». وأضاف أن»القارئ لنجيب محفوظ والمتعمق يجد أنه في كل قصة يقوم على معطيات وعناصر تبنى على اختيار الحدث المناسب، إذ دائماً ما يمس مشاعر المواطن المصري الذي يمس المواطن العربي، مشيراً إلى أن نجيب يختار الشخصيات المتضادة، ليبرز القدوة المثالية، وبعد ذلك يختار الزمان والمكان حتى يكونوا متناسبين مع الحدث».كوني لقلبي دلمونه ومع بداية اليوم الجديد الاثنين، أقام الفنان الشاب أيمن جعفر معرضه التشكيلي والحروفي «كوني لقلبي دلمونه»، بمقهى دارسين في متحف البحرين الوطني، مستلهماً من الأختام الدلمونية مواضيع أعماله الفنية، فيما استرجع الجمهور في الوقت الموازي الحياة البحرينية قبل 25 عاماً، حيث كان للخط وفخامته دور في إبراز الأعمال الفنية التي عكست البهجة الخلودية الدلمونية، وعبرت بشكل بسيط عن كل تلك المعاني والمشاعر.وقدم أيمن اللوحات للجماهير العربية وتحدث عن مضامينها، فيما ترجمها الدكتور إيلي للجماهير الأجنبية، ورغم ذلك إلا أن الجميع اجتمع حول الأعمال الفنية التي تتكلم بجميع اللغات ويفهمها كل الشعوب، ووسط الأعمال الفنية واللوحات التي تبعث الطمأنينة والمحبة الاجتماعية التف الجميع حول وجبات الطعام الشعبية والتقليدية في جو حميمي وعائلي، حيث كان للبلاليط والبيض، والكباب البحريني حضور بارز، إلى جانب الحلويات الشعبية، وتواصلت الفعاليات في ذات الموقع، برفقة فرقة شبابية بحرينية قدمت مجموعة من الألحان الشرقية واللّاتينية في مزاوجة فنية جميلة أفصحت عن المواهب المحلية، ليلتف الجميع مرة أخرى حول لغة واحدة تعرف بأبجدية الموسيقى.وبعد جو مليء بالحيوية والأغنيات، استحضرت المنامة فن السينما، مع الشاب محمد إبراهيم عبر فيلمه الروائي القصير «صبر الملح»، عند الساعة 3 فجراً بقاعة المحاضرات في متحف البحرين الوطني.وحصد الفيلم الجائزة الثانية في مهرجان الخليج السينمائي والجائزة الثانية في مهرجان أبو ظبي السينمائي، كما اختير لعرضه في سانت بطرسبورغ بروسيا. تلت الأمسية السينمائية «حكاية متحف»، التي عاود من خلالها الحضور التجول في كل أرجاء وأقسام متحف البحرين الوطني لإعادة اكتشاف موجوداته ومقتنياته، قبل أن يعودوا إلى مقهى دارسين بالمتحف مرة أخرى لفعالية «طلعت يا محلا نورها»، لتأمل شروق الشمس عند الساعة 5 صباحاً مع أجواء السمر والموسيقى برفقة عازف القانون نبيل النجار، وفي نهاية الفعاليات تناول الجميع وجبة الإفطار قريباً من الواجهات المطلة على البحر، حيث تبقى المنامة مستيقظة ولا تنام!