ختمنا الجزء الأول من المقال بإعادة طرح السؤال الذي طرح في الفقرة الأولى منه «ماذا لو قرر رجل الأعمال الفرنسي أن يعود لممارسة عمله التجاري؟ هل سيهرع إليه موظفوه السابقين للالتحاق بمؤسسته مرة أخرى؟»، أعلم أن الإجابه التي على ألسنتكم هي نعم، وهو ما وصلني.أظهرت دراسة أجرتها إحدى أكبر شركات التأمين الخليجية أنه «حتى 15 % زيادة في الراتب الأساسي أو المنافع، وقد تصل إلى 20 %، فإنه لن يغامر الموظفون بترك عملهم الحالي»، وكانت أحد الأسباب المحورية هي الأمان الوظيفي الذي من المؤسف أنه أول أمر تضربه إجراءات مواجهة الأزمة، فتخسر المنظمة خيرة أفرادها وتعمق خسارتها لصالح منافسيها وتسرع من تدهورها في الوقت الذي هي في أمس الحاجة لهم لكي توقف هذا التدهور.أتفق مع ما تقوم به العديد من الشركات في مثل هذه الحالة بتنحية المدير العام، لأنه من المفترض أن يكون القائد الذي يستطيع أن يتخطى العقبات وأن يتنبأ بالتدهور قبل حصوله، عادة لا تلجأ مجالس الإدارة إلى تنحية المدير العام إلا بعد أن يكون قد فشل في إنقاذ الموقف وإيقاف التدهور، فكيف سيتمكن من أن يفعل ذلك وينقذ المؤسسة وسمعته الإدارية؟ أولاً: شايات «من شاي» صغيرة ذات الدلالات الكبيرة – من المؤسف أن أول ما يبادر إليه المدراء وأعضاء مجلس الإدارة هو تقليص المصروفات وإلغاء بنود، الكثير منها لن يحل المشكلة بل على العكس ترسخ هذه الممارسة الإحساس بأن المنظمة تتهاوى، وأنها لم تعد قادرة على توفير أمور بسيطة مثل الشاي والمياه، ويتذاكى بعضهم فيقرر أن يقلص الإنارة وتخفيض التكييف، ظناً منهم أن ذلك سينقذ الوضع ونتيجته هروب من ستعبر على أكتافهم المنظمة إلى الازدهار مرة أخرى. هذه الممارسة توضح لنا ضحالة التفكير الإداري واستخفافه بالعنصر البشري الذي أصبحت تعتمد عليه الدول وليس فقط المنظمات للنهوض. ثانياً: قطع الأعناق – يقولون قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق – وهي الخطوة التي ينبري لها مجلس الإداره والمدير العام ليبرع فيها، ورغم ما قد تحدثه من تخفيض للتكاليف إلى أنها ليست هي السبب في الأزمة ما لم يكن التوظيف تم لاعتبارات غير مهنية. والنتيجة الحتمية هي القضاء على أهم عنصر في الولاء الوظيفي لمن بقي في المنظمة وهو عدم الاطمئنان إلى قيادة المنظمة وأنها لن تلجأ إلى تشريد آخرين.يذكر أن شركة أمريكية قرر مجلس إدارتها تخفيض نسبة العاملين فيها بشكل كبير، ورفض المدير العام القرار، وأخذ يفاوض مجلس الإدارة، ويقترح عليهم الحلول لعلمه بالتأثير الهائل للقرار، ووصل معهم إلى حل، وإذا لم ينفذ عليه أن يرحل، خرج في اليوم التالي المدير العام إلى موظفي الشركة وهم يعلمون حجم الخسائر التي تعرضت لها وبمحاولاته ثني مجلس الإدارة عن توجههم، وطلب منهم في إيميل ورسالة متلفزه أمرا بسيط بأن يضحوا لمدة سنة بأيام عمل في الشهر لكي يبقى الجميع ولا يتشرد زملاؤهم وعائلاتهم وتطوع وبدأ بنفسه ولم يحدد لهم من سيبقى ومن سيرحل، فشعر الجميع بأنهم مستهدفون ولا نجاة لهم إلا معاً، فكانت موافقة الغالبية العظمى على القرار. استطاعت المؤسسة أن تنهض قبل نهاية السنة والأهم كانت تجربة ولاء عظيمة لهم وتملكهم شعور بأنهم يمتلكون المؤسسه أكثر من أعضاء مجلس إدارتها. وللحديث بقية.