ثانياً: القانون الواجب التطبيق..تعد عملية تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع الناشئ عن العقد الإداري من الأمور المهمة للغاية، نتيجة ما يترتب عليها من آثار خطيرة جداً قد تؤدي إلى الإضرار بأي من طرفي العقد.وتكمن أهمية تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع العقد في الحاجة إلى وجود قانون محدد يحكم تكوين العقد من حيث وجود الإرادة والتراضي والعيوب التي قد تصيب هذه الإرادة، وحدود هذه الإرادة ومتى ينتج التعبير عن الإرادة أثره وكيفية اقتران القبول بالإيجاب وحكم الرجوع عن الإيجاب قبل صدور القبول في مجلس العقد، إضافة إلى تحديد ما يلزم به المدين. ومن حيث سبب العقد، فهو القانون الذي يحكم تقدير المشروعية من عدمها، ومن حيث البطلان ومن له حق التمسك به وتقادم الحق في المطالبة به وآثاره. إضافة إلى أهمية القانون الواجب التطبيق بالنسبة لبيان القوة الملزمة للعقد وتحديد النطاق الموضوعي ووجوب تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد وتفسيره ونقضه أو تعديله ومضمون حسن النية في تنفيذ الالتزامات المتبادلة لأطرافه، ومن حيث تطبيق نظرية الظروف الطارئة والنظريات الأخرى المقررة في القانون الإداري، إضافة إلى تحديد الخطأ العقدي وركن الضرر وأنواعه وبيان نظام علاقة السببية وإثباتها وإمكانية التعويض عن الضرر الأدبي. ومن حيث كيفية انقضاء العقد.وتبرز أهمية تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد أيضاً في تحديد القواعد واجبة التطبيق بشأن التعويض المستحق للطرف المضرور، وبشأن مدى إمكانية تعديل العقد نتيجة لتغير الظروف.والتجربة أثبتت، أن أهمية اختيار القانون الواجب التطبيق تكون أكبر بالنسبة للطرف الخاص الأجنبي المتعاقد مع الدولة منها عما يشكله ذلك بالنسبة للدولة، نتيجة للمخاطر الجسيمة التي يتحملها هذا الطرف نظراً لهذا الاختيار.ويعتبر مبدأ خضوع العقد للقانون الذي تحدده إرادة الأطراف مبدأ مسلماً به، سواء في الاتفاقات الدولية أو في أنظمة المنظمات الدولية، أو في التشريعات المختلفة. ويتمتع الأطراف بحرية مطلقة في اختيار القانون الذي يحكم عقدهم، ولا يملك القاضي أو المحكم إلا احترام هذا الاختيار بشرط عدم مخالفته للنظام العام، ولا يمكن لأي منهما استبعاد هذا القانون. وإلا تعرض الحكم للبطلان.وقد يكون القانون المختار من قبل الأطراف هو قانون الدولة المتعاقدة -وهذا هو الغالب الأعم- تكريماً لها وتعبيراً عن سيادتها، ولكن هذا لا يمنع الأطراف وحسب ظروف التعاقد من الاتفاق على اختيار قانون آخر للانطباق على العقد.ومن ناحية أخرى فإن الأصل أن يتم تضمين العقد بنداً يحدد القانون الواجب التطبيق، ومع ذلك يجوز أن يتم تحديده في اتفاق مستقل، أو حتى يمكن الاتفاق لاحقاً على تغيير القانون المحدد سابقاً، كما يجوز الاتفاق على تجزئة العقد الإداري ذي الطبيعة الدولية وإخضاعه لأكثر من قانون، مثل أن تخضع أهلية المتعاقدين للقانون الخاص بكل منهما، ويخضع الشكل لقانون بلد الإبرام، وتخضع الالتزامات لقانون محل التنفيذ.إن القاضي الإداري أو المحكم الدولي عندما يعرض عليه نزاع في عقد إداري دولي يجب أولاً أن يأخذ في اعتباره قاعدة قانون الإرادة، فيطبق القانون الذي اختاره الأطراف، وفي حالة عدم وجود تحديد للقانون الواجب التطبيق على العقد يستعمل نظرية التركيز «أي يبحث عن الأنشطة التي تتركز في الخارج ويطبق عليها منهج التنازع، والأنشطة التي يعرفها القاضي الإداري في الداخل وتكون إجبارياً خاضعة للقانون الوطني» للوصول إلى القانون الأوثق صلة بالرابطة العقدية، كما له أن يستوحي الحلول من القاضي العادي. وعندما يثبت وجود عنصر أجنبي في النزاع فإن القاضي الإداري يبحث بالإضافة إلى القانون الواجب التطبيق، كذلك عن القضاء المختص بنظر النزاع، ولذلك فإن تحديد طبيعة العقد تسبق عملية تحديد القانون الواجب التطبيق، حيث إن تحديد الاختصاص يسبق تحديد القانون الواجب التطبيق....يتبع.
Opinion
.. الصور المختلفة للضمانات الاتفاقية المقررة للمتعاقد مع الإدارة
18 سبتمبر 2016