مع كل ما حمله الملتقى الحكومي يوم أمس، مع كل تفاصيله وتشعباته وما تم استعراضه وما قيل فيه، سأقف اليوم أمام جملة واحدة قالها صاحب السمو الملكي، ولي العهد، النائب الأول لرئيس الوزراء، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة حفظه الله. جملة تتفق تماماً مع مبادئ وقيم أضعها منذ زمن طويل كمنهاج حياة عملية هدفها «صناعة الفارق»، قالها سمو ولي العهد، وأعتبرها «مفتاحاً» أو «محركاً» أو «منطلقاً» سليماً احترافياً لكل الأمور الأخرى. قال سموه «حب التحدي.. وعشق الإنجاز»، قالها وهو في سياق خطاب يؤكد فيه للحضور من المسؤولين الحكوميين - للأسف اضطررت ألا أكون بينهم لوجودي في مهمة خارجية - بأن الطموح دائماً يتمثل بـ «حب التحدي وعشق الإنجاز»، وأن الدولة والحكومة ماضية، رغم الصعوبات، ورغم التحديات، ورغم كل شيء، ماضية في العمل الجاد للتغلب على كل ما يقف في طريقها. أحسب لسموه التأكيد على كون «المواطن» هو عصب عملية التنمية، وهو في الواقع الثابت الذي دائماً ما يؤكد عليه جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء في كافة خطاباتهم، فالطموح الأثير هو المواطن.ولعل الأخير -أي المواطن- لا يحس في ظل التحديات والصعوبات التي مررنا بها، لا يحس بأن الأمور تمضي لصالحه، وأننا اضطررنا لدخول أطوار مختلفة من عمليات التقشف وخفض النفقات وزيادة بعض الرسوم، لكن في النهاية لا يمكن لأي نوع من المتغيرات أن يحرفنا كدولة وحكومة عبر حراكنا العملي عن الهدف الرئيس وهو المواطن وتحقيق الرضا لديه عبر تأمين كافة جوانب الحياة الكريمة له. هذا ما أكد عليه صاحب السمو الملكي، النائب الأول، وهي مسألة تثلج الصدر، فالمواطن في «البال» وهو «الهم» وهو المستهدف من كل هذا الحراك، وحتى وهو يتحمل الأعباء، تبقى النظرة الأشمل أننا كحراك دولة لابد من أن نثبت كيان منظومة العمل الحكومي، لابد من تحركات قوية لها استمرارية ولها نتائج إيجابية، لأن الاستدامة هي أساس كل بناء، وهي أساس كل تطوير يأتي في أعقاب التأسيس القوي. بعيداً عن «فيروس» الإحباط والتذمر الذي انتشر بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة في أوساط مجتمعنا، وساهمت فيه أطراف عديدة منها حتى وسائل الإعلام، بعيداً عن كل هذا، أرى أننا اليوم أمام حالة تفاؤل مبررة، ليس تفاؤلاً حالماً، وليس تفاؤلاً فيه مجاملات لأن الملتقى يعقد تحت رعاية الأمير خليفة بن سلمان وتفاعلاته وحراكه النشط يقودها الأمير سلمان بن حمد، بل لأن الرجلين الأميرين جادان تماماً فيما يفعلان، واضح تماماً من عملهما أن هناك ما يريدان القضاء عليه، يتمثل في محاربة الأخطاء والنواقص، وتحسين العمل، ورفع جودة الإنتاج، وخدمة المواطن. سأتفاءل وسأراهن على هذا التفاؤل، لن أستسلم وأرتكن لليأس وأنا أنظر للتحديات الصعبة أمامي، لن أسلم الأمر وأدخل طور التذمر والبحث عن كبش فداء أو ديوان أو وزير أو قطاع أحوله لشماعة أضع عليها اللائمة. هذه الجملة لابد وأن تكون شعاراً لكل مواطن يحب بلاده، ويرى الخير موجوداً حتى في أصعب الظروف، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم. من يعيش ليتذمر، ومن يعيش ليعود دائماً للوراء، هو من يصعب عليه تقبل واقع التغيير، هو الذي يرى النقلات النوعية، والمنعطفات الهامة، وإحداث ثورات التطوير، يراها بنظرة سلبية، ومن أجل البحرين لا يجب أن نلبس هذه النظارات السوداء. أعود لجملة الأمير سلمان، وأقول بأن «حب التحدي وعشق الإنجاز» لابد وأن يكون شعاراً لكل مسؤول حضر الملتقى أو تعذر عليه الحضور لكنه في موقع صناعة القرار والتنفيذ، إذ بدون تحديات ورجال يقبلون بها ويتحدونها ويتغلبون عليها، فإننا نضيع وقتنا مع الاحترام الشديد للجميع. بدون أشخاص ترى في الصعوبات «فرصة» لإثبات علو كعب الكفاءات والطاقات والمؤهلين وأصحاب القدرات، بحيث تكون «قهر الصعوبات» لعبتهم، فإننا لن ننجح في ترجمة كل ما قيل بالأمس، ولن نحقق شيئاً من الرؤية الاقتصادية وبرامج عمل الحكومة المتوالية، بل لن نمضي بالمشروع الإصلاحي لمزيد من النجاح. من يقهر التحديات، هم العاشقون للإنجاز، فلا إنجاز بلا تحد، و«عشق» الإنجاز يمكنك أن تراه في أشخاص معينين فقط، أشخاص لديهم «إنكار للذات»، لا يرون في المنصب مكسباً شخصياً لهم، بل يرونه مسؤولية وهماً، يرون في المسؤولية أمانة لابد أمامها العمل بكل جد لتحقيق الفائدة والمصلحة العامة. ما جعلنا نتراجع للأسف، ونضطر مراراً للوقوف عند السلبيات والأخطاء مستغربين زيادتها، هو أن ثقافة العمل الحكومي لدى بعض المسؤولين تغيرت من «مصلحة عامة» إلى «خاصة»، و«عشق الإنجاز» أصبح بالكلام الإعلامي وعلى الورق، والاستسلام أمام «التحديات» بات ديدناً، والتغلب عليها أصبح ضرباً من الخيال. تغيير الاستراتيجيات وتطويرها، يحتاج لتغيير الأشخاص بآخرين ذوي كفاءة وقدرات وإخلاص للمصلحة العامة قبل الإخلاص لأنفسهم، يحتاج لإيجاد كوكبة من «محبي التحدي وعاشقي الإنجاز». وأخيراً نقول شكراً لخليفة بن سلمان ولسلمان بن حمد، فما حصل حرك كثيراً من الجمود، والآن ننتظر نتائج هذا التحدي لنصل إلى الإنجاز.