تخيلوا هذا المشهد معي، إذ لو قيل لإحدى الوزارات أو القطاعات بأن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء حفظه الله أو صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حفظه الله، قد قرر أحدهما أو كلامهما زيارة هذه الوزارة أو الهيئة، ما الذي سيحدث؟!المتوقع، وهي مسألة حصلت في السابق كثيراً، بأن هذه الوزارة في يوم الزيارة ينقلب كيانها رأساً على عقب. ستجد أن جميع الموظفين موجودون، ابتداءً من الطاقم التنفيذي من أعلى المناصب من الوزير وأنت نازل في الهيكل التنظيمي حتى أصغر موظف. لن تجد حالة غياب واحدة، بل ربما سيقوم بعض الموجودين في إجازاتهم بقطعها للحضور، أو بعضهم سيحضر وقت الزيارة ثم يرجع لإجازته، فقط حتى يكون حاضراً وقت الزيارة. طبعاً الوزارة أو القطاع ستخرج في ذاك اليوم في أبهى صورة وحلة، سنجد السجاد الأحمر، والورود، ولربما أمور أخرى تدخل في بروتوكولات الاستقبال رفيع المستوى. وإن كانت وزارة خدمية، أي أن فيها مكاتب «كاونترات» لخدمة العملاء، فإنك لن تجد موظفاً واحداً عابساً، ولن تجد معاملة غير ودية لأي عميل، بل ستجد الابتسامات في كل مكان، وسيستغرب العملاء المترددون على المكان من «التحول المفاجئ» في أخلاقيات التعامل من قبل المسؤولين، ولربما رأينا حتى الوزير أو الوكيل أو المدير يسارع للقيام بعمل الموظف نفسه. هذا يحصل لدينا للأسف، في عملية خاطئة جداً يقوم فيها المسؤولون عن القطاعات بـ «تغيير» ثقافة العمل في مكان ليوم واحد، أو لسويعات، فقط لأن صاحب السمو سيزور المكان. هذه الظاهرة هي بالتحديد التي قادتنا للتراجع، وقادت بعض القطاعات ليتأخر عملها وتضعف جودة خدماتها، فقط لأن هناك قناعة لدى بعض المسؤولين بأنه المسؤول عن إدارة المكان «على هواه» وأن طريقته هي «الأصح». بالتالي يكون السؤال هنا: لماذا إذن تتغير الجلود ويتغير كل شيء حينما يزور المكان كبار القادة في البلد؟!كلامي هذا سيغضب كثيراً من المسؤولين الذين يحاولون «إخفاء» حقائق واقعة على الأرض في قطاعاتهم، لكن كلامي هذا أدرك تماماً أن مراميه ستصل لكلا من الأميرين، خليفة وسلمان، فمن مثلهما في موقع القيادة العليا لا يبحث أبداً عن البهرجة والاستعداد المبالغ فيه والبروتوكلات التي تستخدم كمساحيق تجميل للمكان، بل من مثلهما يبحث دائماً عن مواقع القصور حتى يوجه لمعالجتها، يبحث دائماً عن الملاحظات التي يقدمها الناس بشأن القطاعات، حتى يوجه المسؤولين للعمل الجاد على حلها. العرض الذي قدمه الأمير سلمان قبل أيام في الملتقى الحكومي، يكشف تماماً «لمن يفهم» ما يقوله سمو ولي العهد، كيف أن هذا الرجل لا يتردد لحظة في سرد الحقيقة حتى وإن كانت مؤلمة، ولي العهد من النوع الذي لا يحب تجميل الواقع إن كان الأخير يحمل تراجعات وأخطاء. هو بنفسه قالها بأن العمل يجب أن يكون للتصحيح وإلغاء الأخطاء، وأن الاعتراف بأي نوع من الفشل يحصل أو أي تراجع، هو الأساس للتقييم ومن ثم التعديل والمعالجة، والعمل على ذلك بنوع من الاستدامة هو الذي يصلح من الوضع. وقبله الأمير خليفة بن سلمان الذي نراه دائماً يقوم بزيارات وجولات تفقدية للقطاعات وحتى المدن والقرى، وآخر مثال ما قام به سمو الرئيس «زيارته الفجائية» لقرية السنابس هي الثانية له خلال شهور، فقط لأنه أراد بنفسه تفقد الوضع وما قام به المسؤولون لتنفيذ توجيهاته التي أصدرها قبل فترة تفاعلاً مع رغبات الأهالي. الشاهد فيما أقوله هنا، بأننا في حاجة ماسة لـ «زيارات فجائية» غير معلنة، يقوم بها الأميران خليفة وسلمان لقطاعات في الدولة من وزارات وهيئات، زيارات لا تكون مجدولة ولا تكون معلنة، ولا يعرف عنها الوزراء والمسؤولين إلا وسمو رئيس الوزراء أو سمو ولي العهد عند باب الوزارة. لأن الأمير خليفة والأمير سلمان من النوع الذي يريد أن يستمع للناس، فإن طلبنا هذا سيلقى صداه بالتأكيد، إذ قناعتنا التي وصلنا إليها تتمثل بأنه للأسف بعض القطاعات لا تنتفض ولا تتحرك بجدية ولا تترك عنها الركود إلا حينما تدرك بأنها مسائلة أمام سمو رئيس الوزراء ونائبه الأول. هناك بعض المسؤولين ممن حول الوزارة أو القطاع لمكان خاص به، يعمل فيه وكأنه صاحب المكان، وكأن القطاع «شركة» يملكها، مثل هؤلاء يحتاجون لأن ينتفضوا ويستنفروا حينما يتفاجؤون بأكبر قادة البلد يزورون قطاعاتهم بشكل مفاجئ. المفاجأة تكشف لنا الكثير من الأمور التي يتم تجميلها وتغطيتها ومحوها وإخفاؤها حينما تكون هناك زيارات مجدولة ومعلن عنها سابقاً، نحن نريد أن نرى القطاعات بدون مساحيق التجميل هذه، نريد أن يرى قادتنا الوضع كما يراه المراجع العادي للقطاعات الخدمية، نريد أن نرى كيف هو انضباط والتزام المسؤولين الكبار، وهل هو نفسه الذي يلتزمون به يومياً، أو فقط وقت الزيارات الرسمية. هذه العملية ستقوم كثيراً من الأمور، رأينا أمثلة عليها سابقاً، حينما ينزل خليفة بن سلمان للشارع ويتحدث للناس مباشرة، رأينا كيف يكون بعض المسؤولين يتصببون عرقاً وهم يستمعون للناس تشكو للرئيس وتقدم ملاحظاتها، ورأينا ذلك أيضاً في زيارات سلمان بن حمد للمجالس، وكذلك آخر مثال في الملتقى الذي حرص جميع المسؤولين على حضوره حتى من كان منهم في إجازة أو خارج البحرين.