أغلب الحروب والنزاعات التي تنشب بدءاً بين القبائل ثم تطورت إلى إزاحة الإمبراطوريات وصراع الحضارات وتطاحن الدول تحركها أولاً نزعة السيطرة التي تختبئ خلفها الهيمنة، وبالمفهوم الحديث، التسلط الاقتصادي، ليتربع المنتصر فوق خيرات الطرف المندحر، ويسخر خيراته ويسومه سوء العذاب. وأحد عوامل الحروب التي سلكها الأقدمون في غزواتهم هو التسلل والاختراق وبث الخلاف والنعرات بين مكوناته مما يسهل خلخلته والانقضاض عليه وحديثاً من يسهل المهمة هو الجهل والتعصب الديني واتخاذه مطية للوصول لمآربهم. ومع تطور الحياة والانفجار السكاني الهائل والتقدم العلمي واختناق اقتصاديات الدول وطموح بعضها غير المشروع في الوصول لمستوى معيشة متقدم من الرفاهية فوق مستوى أقرانهم من المجتمعات، وهذا لا يغطيه ما في باطن أرضهم وظاهرها مما حدا بتلك الدول بإعداد الخطط والتفكير ملياً بالطرق الشيطانية في كيفية الاستحواذ على خيرات دول تفصلها عنها مسافات شاسعة وقارات، قد حباها الله بخيرات، كعدالة الله في الأرض في تقسيم أرزاق عباده، فأبى الظلمة إلا أن يعبثوا بتلك العدالة وألا يكتفوا بما في أيديهم من الخيرات، فأعدوا العدة منذ أمد بعيد في تطوير ترسانة حربية مهولة، هدفها ليس إقامة العدل ونصرة المظلوم وضرب الظالم على يديه، بل لنهب الخيرات مستعينين بقوتهم لإزاحة أنظمة وتنصيب أخرى متواطئة لتسهيل مهمة الاستيلاء على خيرات البلاد لتصب في جيوبهم، حتى إن تطلب الأمر إفقار تلك الشعوب أو إبادتها.ولتوضيح تلك السياسة التي تتبعها تلك الدول المتجبرة، سنعرج إلى العراق كمثال شاخص حي على هذا النوع من الحروب الاقتصادية الدينية القذرة:ولندخل في صلب الموضوع، فالذي جلب أمريكا إلى العراق وتحملها الضحايا والكلف لم تكن إلا آبار النفط وتذرعوا بالأكاذيب ومنها خطورة النظام السابق وأسلحة الدمار الشامل وغيرها من الافتراءات.ومعلوم أن العراق لديه أكبر مخزون نفطي على وجه الأرض.وربما يسأل سائل، كيف تسرق أمريكا نفط العراق وهي تشتريه حالها حال أي دولة وبسعره وكما هو مطروح في الأسواق العالمية؟!وربما هذا هو الظاهر لكثير من الناس الذين ليس لهم باع في خفايا السياسة ومكر تجار الحروب. فأمريكا والدول الكبرى تحكمها قوانين صارمة، تمنع ساستهم من التلاعب في اقتصادياتهم داخل دولهم، ولا يتجرأ على ذلك رئيس أو وزير أو برلماني أو جنرال، مهما علا شأنه وشأن حزبه على اختلاس سنت واحد. لكنها تمنحهم كل الحرية بنهب الدول وخاصة الغنية في دول العالم الثالث، لكن أيضاً وفق خطط وضوابط تمنحهم الحصانة وتحميهم من الملاحقة والمساءلة القانونية.لنعد إلى الملف العراقي، فما هي الفائدة التي جنتها أمريكا وقد قدمت آلاف القتلى وهدرت مئات المليارات في حربها الضروس منذ احتلاله عام 2003، ثم سلمته إلى إيران بكل أريحية وسط ذهول الجميع ثم سحبت قواتها؟فهل أمريكا وإداراتها المتعاقبة ساذجة وغبية لهذا الحد؟! بالتأكيد لا وألف لا!! من يتابع العقود وجولات التراخيص لوزارة النفط العراقية والحرب الصامتة بين الشركات الكبرى والتصريحات التي تخرج من هنا وهناك عند حدوث أي اختلاف في توزيع مبالغ الرشى بين الفرقاء ورؤساء الكتل الحاكمة في العراق، وآخرها فضيحة وزير النفط «الشهرستاني» المجلجلة سيدرك تماماً المخطط الاقتصادي الأمريكي وطريقته في الاستحواذ على آخر برميل من احتياطي النفط العراقي، وسيكتشف الهول من القيود المرعبة التي كبل بها العراق لصالح الشركات الأمريكية والعالمية والتي يمتد بعضها لمائة عام وأكثر، وبعض منها لعقود مع شركات الدول التي تحالفت مع أمريكا في الإطاحة بالعراق. فكما هو معلوم لخبراء النفط أن نفط الجنوب العراقي وآباره وحقوله هي من أفضل الحقول عالمياً في سهولة الاستخراج وبكلف رمزية.لكنه عندما تعد عقود الاستخراج والتسويق من قبل دهاقنة وخبراء الشركات الأمريكية الكبرى وباللغة الإنجليزية حصراً وتعطى نسخة منها إلى القائمين على وزارة النفط العراقية، والتي يديرها غوغاء وتكاد تخلو من الخبراء لأغراض المراجعة والتوقيع حصراً، وتمنع المحاكم والقضاء العراقي من النظر في أي نزاع، ربما يحدث في المستقبل، بل تخضعه لغرفة التحكيم في باريس، مما يعني صعوبة تعديل أي فقرة أو حصول العراق على أي حق في الاعتراض والتعديل مستقبلاً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد تم فرض رقم خيالي يفوق التصور لكلف استخراج النفط، وهو بحدود 21 دولاراً للبرميل الواحد والحقيقي لا يتعدى من 3 إلى 5 دولارات كحد أعلى، وكما صرح به العديد من خبراء النفط، مع تحميل الجانب العراقي مبالغ ضخمة جداً عن كلف النقل ومصاريف الشركات والعاملين وتأمين كل مستلزماتهم بل حتى تنقلاتهم، بل يصل الأمر حتى إلى دفع مبالغ التأمين عليهم وعلى شركاتهم، وكذلك تأجير مبنى فخم في لندن لعقد الاجتماعات الدورية. تصوروا سادتي إلى هذا الحد يتم امتصاص خيرات العراق والاستخفاف بشعبه واستغفالهم، وربما هنالك أمور لم تنكشف بعد، ستشيب منها الرؤوس، وتقشعر من هول وقعها الأبدان.وربما إن بقي استمرار تدهور أسعار النفط العالمية فقد يتكبد العراق خسائر فادحة، إنتاج وتسويق دون مردود لتسديد كلف إنتاج، يضاف إليها الفروقات والمصروفات والتسويق، وهذه هي الكارثة التي حلت بالعراق والتي أوقعها سيئ الصيت المالكي وكبير السماسرة الشهرستاني، لقاء ملايين الدولارات كرشى عن تلك العقود. هذا من جانب ومن جانب آخر تعمد أمريكا بغض الطرف عن عشرات الناقلات التي تصطف في الموانئ لتحميل النفط الخام لحساب فلان الشخصي خارج العداد لتتلقفها الشركات والسماسرة بنصف سعره لتستقر مبالغها في حسابات رؤساء الأحزاب والكتل ومن يقف خلفهم وهذه الحقائق يجب أن يعلمها كل فرد عراقي ليعلم مدى الخسة والنذالة والجريمة الرهيبة التي اقترفتها أمريكا بتنصيبها هذه الطغمة العميلة لتسهيل مهمة ابتلاع خيرات العراق ورهنها إلى آخر برميل وإفقار الشعب وإذلاله. بعد تكشف كل تلك الخبايا وتكالب الشركات النفطية والفساد المستشري عندها فقط سنتفهم كيف ولماذا سعت أمريكا لاحتلال العراق وكيف سلمته لإيران ضمن اتفاق حقير أبرمت بنوده سراً وبخبث وليس بتراجع أو انتصارات المقاومة رغم اعتزازنا ببطولاتها وأهم بند أملته أمريكا لملالي إيران ينص على «إن لنا ما تحت الأرض ولكم ما فوق الأرض». أما فساد الحكومات المتعاقبة والمليارات المنهوبة والعقود الوهمية فهي تصب أيضاً في خزانة أمريكا وسنفصل في مقال لاحق لماذا تتستر أمريكا على السراق؟ وما الفائدة التي تجنيها؟ وكيف تصل السرقات لخزاناتهم؟ ولك الله يا شعب العراق.
Opinion
كيف يُنهب العراق.. ومن يحمي السراق؟ «1-2»
26 سبتمبر 2016