في عهد الحرب الباردة وعندما كان التدافع بين قطبين في العالم، كانت دول الشرق الأوسط تعرف جيداً خطورة إقدامها على أمر يثير حفيظة الاتحاد السوفيتي - أحد قطبي الحرب - ويزعجها، لأن رد فعل الأخيرة معروف وهو عقوبة سريعة وقاسية، أما بالنسبة للقطب الآخر وهو أمريكا فالقضية مختلفة تماماً، فلا عقوبات ولا خطوات همجية، فسياستها في ذلك الوقت تملي عليها أن تواجه الأقوال والأفعال التي تزعجها من دول الشرق الأوسط، بسؤالين، الأول: ماذا فعلنا لكم؟ وما الذي ترونه مناسباً لتصحيح الفعل الذي أساء لكم؟ وهذه كانت أساساً في السياسة الأمريكية وهي واضحة ومفهومة لدى صناع القرار وأعضاء الكونغرس والإعلاميين.كان ذلك أيام الحرب الباردة وفي تلك الفترة كانت أمريكا والاتحاد السوفيتي متفرغين لبعضهم البعض وكانت دول الشرق الأوسط لا تعاني مما تعانيه اليوم من هزائم، وكل همهم منصب على مسألة موازنة علاقاتهم مع القطبين، فلا اقتراب شديد من أمريكا ولا إزعاج للاتحاد السوفيتي، لكن هذا الحال لم يستمر، ومما هو معلوم أن أمريكا لم تكن لتسقط الاتحاد السوفيتي وينهار أمامها في تلك الفترة لولا الدور الذي لعبه المسلمون، فإنهاك الاتحاد السوفيتي في أفغانستان كان له بالغ الأثر في انهيارها، ولم يكن الأفغان لينتصروا على السوفيت لولا دعم المسلمين بالأفراد والمال والسلاح، وخصوصا العرب، وإن كان الأفغان أصحاب حق والمسلمون انتصروا لهم، تبقى المسألة لا تقاس بهذه الطريقة، وإنما بطريقة المصالح بعيدة المدى، وهو ما نجد أثره السلبي في أيامنا هذه، فبعد أن كان الطرفان منشغلين ببعضهما البعض، انزوت روسيا وتفرغت أمريكا لنا، لتتخلى عن سياستها القديمة ذات السؤالين وتتحول إلى سياسة البطش حتى لو لم يصدر منا ما يزعجها، وبعد أن تعافت روسيا قليلاً تفرغت هي الأخرى لنا لتتعامل بسياسة البطش وما يحدث في سوريا اليوم خير شاهد، وبعد أن كانت أمريكا لا تتدخل في مسألة العقيدة والدين أصبحت تنفق الأموال لتجد لنا ديناً بديلاً على مزاجها، ولتدير صراعاً فكرياً داخل العالم الإسلامي وبين المسلمين أنفسهم، ولتعمل على تحريض أقليات عرقية ودينية داخل دول الشرق الأوسط لشن حرب أفكار وحرب ميليشيات وعصابات، وبتنا أمام واقع يتلخص بأن أجواءنا ملبدة بطائرات أمريكا وروسيا لا لتقصف بعضها البعض بل لتقصفنا.الحقيقة أن انهيار الاتحاد السوفيتي والمساعدة عليه جاء بالضد من قانون «التدافع» الذي جعله الله تعالى لخلقه، فالقوى الكبرى تتصارع بينها وتنشغل ببعضها وهي في تدافع والعالم كان أكثر أمناً بسبب هذا التدافع، وبذلك خسرت دول الشرق الأوسط بانهيار الاتحاد السوفيتي خسارة لا تساوي تحرير أفغانستان من السوفيت والتي هي الأخرى لم تنعم بالأمن.مشكلتنا لم تنته عند انهيار الاتحاد السوفيتي بل هي مستمرة لأننا كثيراً ما نخالف السنن الكونية مع كوننا، وفي المقابل نجد الغرب أكثر التزاماً وعملاً بها.
Opinion
ماذا خسرنا بانهيار الاتحاد السوفيتي؟
28 سبتمبر 2016