منذ أن وطأت قدماي أرض مملكة البحرين، وأنا أشعر أنني بين أهلي وإخواني، ولقد أبهرتني شخصيات عديدة في البحرين، بتاريخها وإنجازاتها وبتواضعها وخدمتها لشعبها، ولا يسع المجال للحديث عن كل شخصية من هذه الشخصيات العظيمة، ولكنني استمتعت بقراءة كتاب عن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، بالعنوان الذي اقتبسته لهذا المقال، والكتاب من إعداد الدكتور عمر الحسن، وفريق من الباحثين، وصدر الكتاب عن مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، في يوليو 2016، والكتاب يربو على أربعمائة صفحة، ويتناول المسيرة الطيبة لصاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، وإنجازاته عبر السنين. وهي إنجازات يعجز عن القيام بمثلها كثيرون.وينقسم الكتاب إلى أربعة فصول تحمل عناوين: الأول: خليفة في مدرسة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة.والثاني: خليفة بن سلمان ومرحلة بناء الدولة في عهد الأمير عيسى بن سلمان.والثالث: خليفة بن سلمان في عهد حمد بن عيسى.والرابع: خليفة بن سلمان بين زعامات تاريخية.والكتاب استعراض لسيرة خليفة بن سلمان عبر سنوات من الإنجاز والعطاء، تحدى من خلالها الصعاب وتخطى الكثير من العقبات، مستعيناً بالصبر والإصرار والمثابرة وقوة الإرادة، وهكذا تحققت إنجازات عديدة لا مثيل لها في تاريخ كثير من الشعوب.وبالنظر إلى أن الشخصية ثرية في خصائصها وصفاتها وأن الكتاب قيم ومليء بالمعلومات والتحليلات فليس من السهل استعراضه، ولكنني أقدم مجموعة من الملاحظات العامة عن الكتاب وعن الشخصية المتميزة التي تناولها.* الملاحظة الأولى: التغير الضخم غير المسبوق في البحرين منذ تولي خليفة بن سلمان المسؤولية، حيث كما يذكر الكتاب أنه قاد الحرب المظفرة ضد الأمية والأمراض، فنشر التعليم والرعاية الصحية، وأطلق مشروع الإسكان الاجتماعي، وجاهد مع شقيقه الأمير الراحل عيسى بن سلمان لتأكيد استقلالية البحرين، ورفض التبعية لإيران، وأرسى العلاقات البحرينية السعودية، وخاض معركة التحول الديمقراطي، فأصبحت البحرين نموذجاً يحتذى به وتتصدر قائمة الدول ذات المستوى المرتفع جداً في تقارير التنمية البشرية التي تصدرها الأمم المتحدة، كما أن جائزته للتنمية الإنسانية دليل على أن فكره له امتداداته العالمية.* الملاحظة الثانية: يعرض الفصل الأول السمات القيادية لخليفة بن سلمان والتي اكتسبها من المغفور له بإذن الله والده، والفصل الثاني تضمن الثقة التي حظي بها من شقيقه الأمير الراحل عيسى بن سلمان، وهي ثقة في موضعها وكان أهلاً لها وأجدر بها من أجل تحقيق الاستقلال وتثبيت دعائمه، وقد تناول الفصل الثالث استمرار العطاء لخليفة بن سلمان في عهد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وهو بذلك كان خير سند لتنفيذ الرؤية الإصلاحية لصاحب الجلالة، وخاصة في الاهتمام بالإنسان البحريني، باعتباره الثروة الحقيقية للبلاد، والفصل الرابع تناول مسيرة خليفة بن سلمان، وما لقيه من احتفاء وتكريم على المستوى الوطني والإقليمي والدولي وعلى المستوى الخليجي والعربي والعالمي والإسلامي، وهو ما وضعه في مصاف عظماء التاريخ العربي والعالمي، أمثال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والملك فيصل بن عبدالعزيز، ولي كوان يو، ومهاتير محمد، وجواهر لال نهرو، وونستون تشرشل، وشارل ديجول. ويمكننا أن نقول «نعم هذه الكوكبة من صحبة أنها نخبة من قادة العالم كان لها دور ملموس في بناء أوطانها وفي التاريخ العالمي بوجه عام».* الملاحظة الثالثة: إن الكتاب تم افتتاح صفحاته بكلمات طيبة من نخبة متميزة من الشخصيات السياسية البحرينية والعربية، أمثال خليفة الظهراني رئيس مجلس النواب السابق، وعبدالرؤوف الروابدة رئيس الوزراء الأردني الأسبق، ورئيس مجلس الأعيان، وعلي بن صالح الصالح رئيس مجلس الشورى، وعمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، وأحمد أبوالغيط الأمين العام الحالي، وماجد جواد الجشي المستشار السابق لرئيس الوزراء، عناوين كلمات هؤلاء كالآتي، بالترتيب، «سيرة ومسيرة»، «شخصية متكاملة عديدة الجوانب»، «وضع البحرين على خارطة العالم المتمدن»، «طراز فريد»، «تاريخ البحرين»، «القائد المبدع»، وكل عنوان من هذه العناوين له دلالاته المتميزة والتي تتطابق وتعبر عن شخصية صاحب السيرة التي تناولها الكتاب.* الملاحظة الرابعة: إن الكتاب مليء بالمعلومات القيمة عن الشخصية المتميزة لا يتفوق عليه إلا ثراء الشخصية نفسها، وما حققته وتحققه كل يوم من إنجازات ارتبطت بمسيرته، منذ أن أسند إليه والده عدة مهام في البلاد، وقام بتأهيله لقيادة العمل التنفيذي.* الملاحظة الخامسة: إبراز الكتاب لعدة خصائص وأدوار لخليفة بن سلمان وفي مقدمتها:- دوره في بناء الدولة الحديثة. - دوره كرئيس وزراء في إدارة الدولة وبناء مؤسساتها.- دوره في إدارة التحول الديمقراطي.- دوره في التنمية البشرية والحضرية.- دوره في إدارة الأزمة.* الملاحظة السادسة: في تقديري كباحث في الشؤون السياسية الدولية وفي شؤون الدول الخليجية والعربية والآسيوية، فإن من أهم الخصائص الذاتية للأمير خليفة بن سلمان ثلاث: الأولى، التواضع الجم الذي يتجلى في جلساته وديوانه، الذي يستقبل فيه العديد من الشخصيات، وفي إدارته للتحول الديمقراطي في البحرين، ودائماً ما ينسب لجلالة الملك الإنجازات والمبادرات، ويتحدث عن جلالته بما يليق به من مكانة سامية، وهذا خير دليل على التواضع وعلى التواؤم والوفاق بين قيادات الأسرة الخليفية. والثانية، الإيمان بالوطن ويظهر ذلك في مختلف تصريحاته وأنشطته وجولاته في الأحياء والمناطق، للتعرف على احتياجاتها، ولعل آخرها زيارته إلى منطقة السنابس، ومفهوم الوطن لدى خليفة بن سلمان يمتد ليشمل الخليج العربي ثم العالم العربي، فهو يتابع أزماته وتحدياته ويعبر عن فكره وتصوراته بالنسبة للحلول. والثالثة القدرة على التأقلم وإدارة الأزمات بهدوء وروية واعتدال وحزم في آن واحد. وبرز ذلك في أزمات سياسية وأمنية منذ السبعينات وحتى الآن، وأزمات اقتصادية لعل أبرزها تداعيات انخفاض أسعار النفط، وفي إدارة شؤون الميزانية مما أدى لانتهاج سياسة تقشفية معتدلة لا تمس الطبقات المتوسطة أو الفقيرة في المجتمع، وبالطبع ما يوصف بالفقر في البحرين هو مسألة نسبية مقارنة بما هو موجود في العديد من دول المنطقة.* الملاحظة السابعة: إن الكتاب يعد موسوعة شاملة لتاريخ البحرين الحديث ومن ثم ينبغي أن يهتم به كل مواطن بحريني وكل متخصص في تاريخ البحرين الحديث من الأساتذة والطلاب والمثقفين.وختاماً؛ نتمنى لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان دوام الصحة والعافية وطول العمر، لتحقيق المزيد من الإنجازات لخدمة مملكة البحرين، والعمل الخليجي المشترك، والأمة العربية، التي يحمل كثيراً من همومها في فكره، كما يتجلى ذلك في تصريحاته العديدة.* خبير مصري في الدراسات الاستراتيجية الدولية
Opinion
«خليفة بن سلمان آل خليفة.. زعامة صنعت تاريخاً»
29 سبتمبر 2016