لم يتوقع أحد من متابعي الكاتب الأردني ناهض حتر أن يقع في فخ انفعالاته وحماسه المعروف وينشر رسماً كاريكاتيرياً مسيئاً فعلاً يمكن استغلاله بكل بساطة، مضافاً إليه مسيحيته، لكتم صوته الذي كان مزعجاً ونشازاً لمخالفيه. متابعو حتر وغير متابعيه يعرفون جيداً أن الرسم المسيء لم يكن السبب الرئيس لاغتياله، فقد نشر الرسم كثيرون أثناء الجدال حول القضية. فالمطلوب من عملية الاغتيال ترهيب كل من يعادي مشروع الشرق الأوسط الجديد، ويجاهر بمحاربته ويرتفع صوته في فضح مكوناته.من تابع موقع «فيسبوك» ليلة نشر ناهض حتر للرسم على صفحته الشخصية يذهل للنار التي اشتعلت في دقائق معدودة. أقفل ناهض حتر صفحته مذهولاً مما أسماه سوء الفهم. أصدر بياناً بأنه ليس من رسم الكاريكاتير وليس مؤمناً به، بل هو يعرض النظرة السلبية التي ينظر فيها «الدواعش» للرب. ولم تشفع له كل محاولاته وصدر قرار قضائي بالقبض على ناهض بتهمة الإساءة للذات الإلهية. وكان حجم التحريض كبيراً من جهات كثيرة ضده، ولم يكن ينقص السيناريو سوى استئجار «مخبول» بهيئة إرهابية ليسدل الستار ببضع رصاصات استقرت في جسد ناهض، في سيرة شبيهة بمحاولة اغتيال نجيب محفوظ حين سئل منفذ العملية هل قرأ رواية أولاد حارتنا، فأجاب أنه لا يعرف القراءة والكتابة ولكن قيل له إنها رواية تحرض على الكفر!ومن كان يتابع مقالات ناهض حتر ومقابلاته يعرف جيداً أن السبب الرئيس لاغتياله هو موقفه الصلب من مشروع الإرهاب في المنطقة العربية، وضخها بمئات الآلاف من المجرمين، ليعيثوا فساداً في العراق وسوريا وليبيا ومصر وتونس والجزائر، تحت شعارات الثورة والإسلام. وتلخصت أطروحات ناهض حتر وتياره بطبيعة هوية المنطقة والمشروع المراد لها. فهوية المنطقة خصوصاً في منطقة الهلال الخصيب هي هوية عروبية تقبل التعدد وتتعايش مع الآخر منذ آلاف السنين. وهي هوية متحضرة ومنفتحة على كل آفاق التحديث. وقادت المنطقة العربية طويلاً في المبادرات الحضارية وفي حركات النهوض والتحديث والتغيير. ويرى ناهض أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يهدف إلى تصفية المنطقة العربية وخصوصاً الهلال الخصيب من تنوعها لصالح نوع واحد دخيل هو النوع المتطرف ذو الرؤية الإقصائية والمتشددة للدين. ويشير دائماً إلى أن حواضر الإسلام التاريخية لم تكن يوماً تتبنى هذا النهج الديني المدمر. وهي رؤية تتقارب مع رؤية المناضلين التونسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين اغتيلا لنفس الأسباب وبنفس الأسلوب على أيدي جماعات متشددة عام 2013.بالطبع.. سنختلف مع ناهض حتر في حدته وانفعالاته، وسنناقشه في مواقفه المنحازة كل الانحياز للنظام السوري ولـ»حزب الله» وللمواقف الإيرانية، لكن لا أحد عاقلاً يمكنه القبول بهدر دمه بهذه الطريقة التي أوصلت رسالة ترهيب لكل من يخالف مشروع الإرهابيين والإقصائيين. الرصاصة قد وصلت فعلاً، والسؤال: من المغدور التالي بعد ناهض حتر؟
Opinion
اغتيال ناهض حتر.. الرصاصة وصلت
02 أكتوبر 2016