حين يداهمنا العام الميلادي الجديد فإننا نوجِّهُ كلماتنا لكل العالم دون استثناء، متمنين أن يكون عاماً سعيداً لكل البشرية، أمَّا حين نتحدث عن دخول عام هجري جديد فإن الأمر مختلف للغاية، إذ يكون من المهم أن نتحدث عن واقع المسلمين وعن قضاياهم وهمومهم وحاضرهم ومستقبلهم. في العام الهجري يسهل الحديث عن مشاكلنا وأزماتنا وانتكاساتنا وتخلفنا وتراجعنا وعن كل هزائمنا. في العام الهجري الجديد وفي كل عام هجري مضى لن تختلف القضايا التي نتناولها وسنتناولها بدءاً من الانتظام في طوابير السيارات وانتهاء بالحروب المذهبية التي أكلت وقتنا وجهدنا وقضت على كل آمالنا ودولنا، ووظَّفت كل طاقاتنا في الطريق الخطأ.من البديهي بمكان أن تكون قضايا العام الهجري الجديد منه والعتيق أكثر تعقيداً وشراسة من قضايا العام الميلادي، لأن الهجري يحتوي على حزمة عملاقة من التخلف والجهل والمصائب والنكبات، فحين نتكلم عن العام الهجري فإننا نتكلم عن أوضاع المسلمين وعن واقع مشحون بالكراهية والرجعية، فما شهده العالم الإسلامي من صراعات وحروب وكوارث خلال نصف عقدٍ مضى من الزمان المؤلم، يكفينا لنكون خارج هذا العالم، ولو قضينا نصف أو رُبع هذا الوقت في تنمية أنفسنا وأولادنا ومستقبلنا لكنَّا خير أمة أخرجت للناس، ولو صرفنا أموالنا في العلم والتنمية المستدامة لكنَّا اليوم على قمة هرم التحضر بين بقية شعوب العالم، لكننا آثرنا التناحر وتدمير أوطاننا ومجتمعاتنا على أن نكون في مقدمة الرَّكب، ولربما ساهمت بعض الدول الاستعمارية الجديدة في نكساتنا وتقهقرنا بشكل غير مباشر، لأنها أيقنت أننا نحمل في جيناتنا كميات هائلة من الاستعدادات النفسية والفكرية لتقبل هذه الفوضى غير الخلاقة، فكان للغرب السياسي ما يريد.الدعوات وحدها غير كافية لتغيير واقعنا العربي والإسلامي في هذا العام الهجري الجديد، كما أن الأمنيات الباردة ليست قادرة على إعادته لمكانته الطبيعية لمزاحمة كل العالم المتقدم له في العطاء والفكر والثقافة والاكتشافات والاختراعات والقبض على تلابيب المستقبل، لأننا مشغولون أصلاً بمذهبياتنا وباختلاف طريقة وضوئنا وصلاتنا وصيامنا وحجنا وربما مشغولون بتحديد موقع قبلتنا الوحيدة، في الوقت الذي لا يملك الآخر وقتاً كافياً كي ينظر إلى الماضي أو الاستغراق في معارك التاريخ ورجالاته. في العام الهجري الجديد هناك أوجاع وآلام وقضايا يصعب حلها بالأمنيات المجردة والساذجة، فأمامنا طريق طويل وشاق من العمل الجاد لإعادة روح الأمل إلى عالمنا الإسلامي الذي مازال يقبع نصفه في القاع ونصفه الآخر يتسكع على ضفاف مستنقع الصراعات الجاهلية الحديثة، فهل يمكن لنا بعد كل هذا الألم أن نقول «عام سعيد»؟
Opinion
مصارحات مؤلمة في عامنا الهجري الجديد القديم
03 أكتوبر 2016