واضح أن تأثيرات الانتخابات الأمريكية، ووجود مرشح رئاسي شخصيته مركبة بين الهيستيريا والجنون والغرور قد أثرت بشكل كبير على أعضاء الكونغرس الأمريكي، فدخلوا بدورهم في «حالة هلوسة» تماثل هلوسة دونالد ترامب في حقدها وكرهها للعرب وتحديداً للمملكة العربية السعودية. لسنا نأتي بالكلام من جيوبنا، بل من «البيت الأبيض» الرئاسي نفسه. المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست خرج في مؤتمر صحفي، وقال فيه إن تجاوز الكونغرس لـ»فيتو» الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليمرر قانون «جاستا» فعل ارتكبه «تلاميذ» في مدرسة ابتدائية. إرنست قال بالنص ما يلي: «من الصعب القول إنهم كانوا غير مدركين لعواقب تصويتهم، ولكن حتى لو كانت كذلك، ما هو صحيح في المدرسة الابتدائية هو صحيح في كونغرس الولايات المتحدة، والجهل ليس عذراً، لاسيما عندما يتعلق الأمر بأمننا القومي، وسلامة وأمن دبلوماسيينا وجنودنا».هذا هو الرد الرسمي للبيت الأبيض على قرار الكونغرس، وأمس الأول وفي مقابلة لشبكة الـ»سي إن إن» مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، شن الأخير بدوره هجوماً على الكونغرس، في سابقة رئاسية ترد على سابقة إسقاط الكونغرس لأول «فيتو» رئاسي. أوباما ورغم محاولته الإبقاء على دبلوماسيته، بين أن القانون بغض النظر عن استهدافه للسعودية بشكل خاص، إلا أن تداعياته تبعث على القلق بالضرورة، لأن المستهدف بعد هذه المرحلة -حسب رأيه- هي الولايات المتحدة نفسها، وذلك بسبب نشاطها العسكري الخارجي وتحركاتها في دول مختلفة وضلوعها في حروب ميدانية. بصريح العبارة أوباما يشير بوضوح لإمكانية ملاحقة أمريكا قضائياً بأسلوب «المعاملة بالمثل»، وفي كلامه تلميح واضح بأن الرد لن يقتصر على السعودية التي يريد الكونغرس وضعها كـ»متهم أول» في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، بل سيفتح الباب على مصراعيه لأي طرف دولي يرى بأنه تضرر من السياسات الأمريكية. هذا الكلام خطير جداً، ولعل أوباما وهو يتكلم استذكر ضحايا القنابل الذرية الأمريكية في هيروشيما وناجازاكي، خاصة مع الأنباء التي تشير لوجود تحركات يابانية لفتح ملف تعويضات يلزم الولايات المتحدة بدفع تريليونات تعويضاً للحرب الذرية التي شنتها، وطبعاً تذكر بالضرورة حرب فيتنام، لكنه قد يفاجأ في مرحلة قادمة بأن تظهر أصوات حتى من قبل «الأمريكيين الأصليين» أي «الهنود الحمر» والذين تعرضوا لحرب إبادة لإنهاء عرقهم، تطالب بتعويضات «جرائم حرب»!أوباما ومتحدث البيت الأبيض والطاقم التنفيذي في إدارته، كلهم يعيشون حالة قلق ويلومون الكونغرس ويحملونه مسؤولية ما سيأتي من تداعيات، والمضحك في الموضوع، والذي جعل البيت الأبيض يصف أعضاء الكونغرس المصوتين على القانون بأنهم «تلاميذ مدارس» بأن بعضهم بعد تمرير القانون كشف بـ»سذاجة» لا تصدر عن سياسيين خبراء، كشف بأنهم لم يطلعوا على تفاصيل القانون وأنهم «بصموا» عليه كيفما اتفق. بشهادة البيت الأبيض، أعضاء الكونغرس الأمريكي يتصرفون في ملفات حساسة يمكنها أن تقود لقيام حروب، يتعاملون بأسلوب «تلاميذ المدارس»، بالتالي كيف تقوم سياسة الدولة التي تقول إنها القوة العالمية العظمى على تصرفات «تلاميذ ابتدائي»؟! مع الاحترام للتلاميذ، فهم أقلها لن يتصرفوا بمثل هذا الغباء. بمقارنة أوباما بأعضاء الكونغرس، يتضح بأن الأول أكثر عقلانية من الآخرين، وهذا أمر منطقي باعتبار أوباما ضالع أكثر في العمليات الخارجية وتحديداً العمليات على الأرض، وهو الذي يضع في سيرته الذاتية المعلومة الشهيرة التي تقول إنه «من أصدر قرار قتل أسامة بن لادن»، والمهم معرفته بأنه بحكم هذا القرب والاختصاص، أوباما يدرك العواقب تماماً، وهو قالها في مقابلته الأخيرة بالنص: «إسقاط الفيتو خطأ كبير قد يتسبب في مقاضاة أمريكيين في الجيش في جميع أنحاء العالم، ويجعلهم عرضة للمساءلة القانونية، وهو ما قد يؤثر على الأعمال العسكرية الأمريكية في كل مكان».لهذا السبب قلنا أمس إن «السعودية لديها خيارات عديدة للرد وبشكل «مؤلم» على محاولة تمرير قانون يجيز لأمريكا «ممارسة البلطجة السياسية»»، إذ بموازاة الخيارات الاقتصادية والاستثمارية، يظل خيار تقليل التعاون العسكري، وإغلاق المجال الجوي، والتوجه لحلفاء آخرين، باجتماعهم يشكلون «ترويعاً» لواشنطن، وها هي تركيا تعلن وقوفها قلباً وقالباً مع السعودية، وغيرها من الأقطاب الكثيرين. الكونغرس فتح النار على البيت الأبيض، والأخير أسقط في يده، لأنه يتعامل مع «تلاميذ مدارس». عموماً، السعودية والعالم العربي والإسلامي وحلفاؤها الاستراتيجيون ليسوا معنيين بسوء «عملية التربية والتعليم» الأمريكية بحق «تلاميذها» في الكونغرس، هي مشكلة أوباما ومن سيأتي بعده، والضريبة ستكون باهظة جداً. تحصل هذه الأمور حينما يسود «الغباء السياسي»، وحينما يعتقد هؤلاء أنهم بالفعل «أسياد العالم»، بينما الحقيقة تقول إن أول أسيادهم هم الصينيون الذين يطالبونهم بتريليونات الدولارات التي أقرضوها لهم لتتعامل واشنطن مع أزمتها الاقتصادية والمالية.
Opinion
«البيت الأبيض» يقول: أعضاء الكونغرس «تلاميذ ابتدائي»!!
04 أكتوبر 2016