يبدو واضحاً تماماً الآن بعد فضيحة «تسجيلات التصريحات الجنسية البذيئة» للمرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، أن هيلاري كلينتون في طريقها للمكتب البيضاوي في «البيت الأبيض» بكل سهولة ويسر. للأسف نحن نواجه اليوم وضعاً يحتم علينا فيه القبول بأن يرأس أكبر دولة تمتلك ترسانة أسلحة متطورة أحد شخصين سيئين. هيلاري هي أفضل السيئين، لأنه بالعقل والمنطق لا يمكن القبول بشخص يتولى زمام أمور الولايات المتحدة مثل ترامب. الرجل قبل انتشار فضيحته المسجلة ضد النساء، كانت أسهمه أضعف من كلينتون، وحتى بعد المناظرة الأولى بان واضحاً كيف يمكن أن يصل الجنون بأن يكون هذا الشخص مترشحاً لمنصب الرئاسة، وأي حالة من «اللاوعي» ضربت أعضاء الحزب الجمهوري الأمريكي ليكون هذا الرجل مرشحهم. بعد فضيحة الأمس أعلن جون ماكين عضو الحزب انسحابه من ترشيح ترامب، وتدارس أكثر من 20 عضواً في الحزب - في محاولة يائسة - إمكانية استبدال ترامب بمرشح آخر. لكن العودة للحديث عن المرشحين الرئاسيين، والذي يقودنا للجزم بأن هيلاري كلينتون ستصبح أول امرأة ترأس الولايات المتحدة، سنجد أن الشارع الأمريكي وصل لمرحلة تجعله قابلاً بأن تكون هناك أصوات منه تدعم شخصاً تتجمع فيه الصفات السيئة بشكل جنوني. دونالد ترامب كشف عن كثير من أمور حاول إخفاءها، وذلك خلال المناظرة الأولى والتي كسبتها هيلاري بدون أن تتعب نفسها، إذ إن كان خصمك يمتلك سجلاً أسوداً تفاصيله تجعل الناس تمتعض، فإن مهمتك ستكون سهلة في التغلب عليه، حتى لو كنت فاشلاً أو ضعيفاً أو تكون ضليعاً في ممارسات دولية ينتقدها العالم. كيف يقول شخص يريد ترأس دولة مثل الولايات المتحدة بأن تهربه من الضرائب يدل على «ذكائه»؟! قالها ترامب بصريح العبارة، في جملة أثارت غضب الأمريكان بالأخص الملتزمين بدفع الضرائب من الطبقة المتوسطة.وكيف يقول شخص يريد ترأس دولة مثل الولايات المتحدة بأن الأزمة المالية التي تضرر منها الناس جميعاً، مثلت له «فرصة ذهبية» لزيادة استثماراته وعقاراته؟!قالها ترامب وبين نفسه على أنه «تاجر» وليس سياسياً، وأن مصلحة الناس لا تهمه، بل المال هو سيد الموقف بالنسبة له، والدليل أنه حتى العلاقات الدبلوماسية التي تمتلكها الولايات المتحدة مع أقطاب دولية هامة لا تهمه، فتصريحاته التي يهاجم فيها السعودية ودول الشرق الأوسط ويصورهم على أنهم «بنوك» لابد وأن تدفع لأمريكا الأموال، تصريحات رجل لو وصل للبيت الأبيض فإن أقصى أفعاله لا تخرج عن «إشعال حرب عالمية ثالثة»!مجنون توضع أزرار الأسلحة النووية تحت أصابعه! بصراحة من يؤيده يشككنا في القدرة العقلية على التفكير. نعرف تماماً ما فعله الحزب الديمقراطي في العالم وليس في أمريكا وحدها، نعرف تماماً أن الفوضى في «الربيع العربي» سببها أوباما وإدارته السيئة، وهيلاري كانت ومازالت جزءاً من المسألة، ونعرف تماماً من «باع» العراق لإيران، ومن أطلق يد الأخيرة في برنامجها النووي وأزال التجميد عن ملياراتها، ومن يحاول اليوم التدخل في سيادة الدول عبر قانون «جاستا» وغيره من القوانين. لكن كل هذه الأمور قد تتحول لواقع أسوأ إن جاء ترامب، وصحيح أن علاقة الحزب الجمهوري بالأطراف الدولية حين يحكم البيت الأبيض أفضل بكثير من نظيره الديمقراطي بحكم الشواهد التاريخية، إلا أن ترامب بالتأكيد سيطرق آخر مسمار في نعش هذه العلاقة. وعليه فإن التعويل على التغيير في السياسة الأمريكية ليس حاصلاً البتة، فهيلاري ستسير على نفس طريقة خلفها أوباما، وترامب إن فاز بمعجزة سيكون أسوأ من يترأس الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون بمثابة المجنون الذي يمتلك أسلحة تنسف البشرية. بالتالي خيارنا كدول اليوم، وخيار منطقتنا الشرق أوسطية والخليجية والعربية والإسلامية يتمثل في التكتل والتوحد بمواقف واضحة ومحددة تضمن التصدي لأية محاولات كسر وتركيع وفرض قوانين عدائية وإقرار سياسات فيها استهداف. ليحصل في أمريكا ما يحصل، لتحكمهم «عجوز» سياسية ماكرة، أو مجنون لا يمكن توقع أفعاله، لكن المهم أن نكون نحن ثابتون في مواقفنا وأقوياء في قراراتنا، بما يجعل من يستهدفنا أياً كان يفكر مليون مرة قبل أن يخطو خطوة واحدة.
Opinion
أين موقعنا.. بين «المجنون» و«العجوز الماكرة»؟!
10 أكتوبر 2016