الفيديوهات القصيرة التي انتشرت مؤخراً لموكب عزاء خرج في إحدى القرى، ويظهر فيها المعزون، وهم يحملون الرايات والبيارق المليئة بالشعارات السياسية، ووجوههم مغطاة بالأقنعة، تكفي مثالاً للرد على كل من قال ولا يزال يقول إن الحكومة تضيق الخناق على المعزين، وإنهم لا يخالفون القانون، فمثل هذا الموكب لا تقبل به أي حكومة في العالم، وأولها حكومة الملالي التي يعتبرها أولئك مثالاً ونموذجاً ينبغي أن يحتذى، وهو خلط واضح واستغلال سيء لعزاء سيد الشهداء، ذلك أن مثل هذا الموكب لا يمكن تصنيفه في باب مواكب العزاء الحسينية ولكن في باب المظاهرات وتحدي الدولة. لنتصور خروج هذا الموكب في إيران، في طهران أو حتى في قرية نائية، ترى كيف ستتعامل حكومة الملالي التي تظهر أنها تهتم بمناسبة عاشوراء معه؟ بالتأكيد من السذاجة القول إنها ستوفر لهم المبررات وتعتبر الأمر وكأنه لم يكن أو أنها ستقوم باستدعاء بعض من عرفت منهم أو تم الشك في مشاركتهم في ذلك الموكب لسؤالهم أو التحقيق معهم، ثم السماح لهم بالعودة إلى بيوتهم، ذلك أن الواقع أمر مختلف. ما ستقوم به تلك الحكومة – وأراهن على ذلك – هو أنها ستنزل كل عناصر مكافحة الشغب ليحيطوا بهم من أربع جهات، بل ومن فوقهم ومن تحتهم، وستقتادهم إلى جهة لا يعرفها حتى الجن الأزرق وستطلق سراحهم بعد حين ولكن بعد أن يكونوا قد نسوا أسماءهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم! هذا إن رأفت بهم وسمحت لهم بالبقاء على قيد الحياة.هكذا ستتعامل حكومة الملالي معهم، ومثله أو أقل منه قليلاً ستتعامل معهم حكومات الدول التي تسمح بخروج المواكب الحسينية إلى الشوارع، ذلك أنه من غير المعقول أن تسمح الحكومات لمثل هذا العبث أن يحدث في بلدانها. ترى هل من عاقل يقبل بعد انتشار هذه الفيديوهات ما يقوله ذلك البعض عن حكومة البحرين التي تسخر كل إمكاناتها لإنجاح موسم عاشوراء؟ هل من أحد سيسمع منه بعد كل هذه المرونة التي تأكد الجميع أن الحكومة تبديها كي لا تتطور الأمور وتتعقد؟ المثير أن الذي نشر تلك الفيديوهات هم أنفسهم الذين يوجهون تلك الاتهامات للحكومة ويرفعون الصوت مستغيثين ويقولون إنهم لم يخالفوا القانون وإن أمراً ما سيئاً يراد بالشيعة. أوليس الخروج في موكب عزاء بوجوه مغطاة بالأقنعة ورفع شعارات سياسية لا علاقة لها بعاشوراء أمراً مخالفاً للقانون وتجاوزاً يستدعي المحاسبة؟!هذا مثال مهم يوضح حالة التناقض التي يعيشها ذلك البعض ويفضحه ومن يقف وراءه ويسوسه، وهو بدل أن يقدر ويشكر، يرمي الحكومة بما شاء من اتهامات معتقداً أن العالم لا يرى ولا يسمع ولا يدرك. إن استمرار هذا السلوك من شأنه أن يضر بالشيعة وبالامتيازات التي توفرها الحكومة للمواكب الحسينية، وهو ما ينبغي أن ينتبه إليه جيداً من ينتظرون هذه المناسبة باشتياق ليعبروا عن التزامهم السنوي، فما يقوم به ذلك البعض لا يوصل إلا إلى هذه النتيجة خصوصاً في مثل الظروف والأحوال التي تمر بها المنطقة. تسييس عزاء الحسين ليس في صالح المعزين والشيعة إجمالاً، واستغلال مناسبة عاشوراء لتحقيق أهداف لا علاقة لها به وتخدم أغراضاً سياسية يضر بها مستقبلاً، وقد تخسر من ينتظرها. لهذا ينبغي على كل من له دالة على ذلك البعض أن ينبهه لهذا الأمر ويبين له خطورة خلطه بين الأمرين، وخطورة استغلاله هذه المناسبة لخدمة تلك الأهداف، مع ملاحظة أن من يسوسه لن يقف معه في كل الأحوال بل لن يتردد في إلقاء اللوم عليه واعتباره مخطئاً ولم يعرف كيف ينفذ «الأوامر»!