منذ نحو 8 أعوام كتبت مقالاً حول قضايا «الأمن» في صوره المختلفة داخل الوطن العربي، وكيف يجب أن تحترز دولنا حتى تكون في مأمن من المستقبل الذي قد يغدر بها في أية لحظة من اللحظات، ولربما حانت هذه اللحظة بأدق تفاصيلها المرعبة. الأمن الغذائي والأمن الصناعي والأمن المائي والأمن المعلوماتي والأمن الزراعي وغيرها من أنواع الأمن هو ما كنَّا ندفع باتجاه الاهتمام به وجعله من أولوياتنا كشعوب وحكومات عربية، إذ لا يمكننا تخيّل دولة يمكن أن تعيش في الحاضر وتواقة للمستقبل من دون أن تخيط ثوبها وتزرع قوت يومها وتشرب من مياهها وتحمي أمنها بنفسها، فالدول والشعوب التي تلبس وتأكل وتشرب وتركب وتزرع ما ينتجه الآخر، يجب أن تراجع وجودها بالكامل، إذ وهي في هذه الحالة المزرية لا تستطيع أن تناضل للبقاء في عالم مزدحم بالعمل والعطاءات والكفاح العلمي، ومن هنا يجب أن تعيد هذه الأمَّة حساباتها فيما يخص مستقبلها الذي ربما يكون أصعب بكثير من ماضيها وحاضرها، فالقادم من الأيام سيحدد مصير دول وشعوب بأكملها.اليوم تتزاحم دول العالم - باستثناء غالبية الدول العربية - لتأمين مستقبلها ومستقبل أجيالها، فتقوم شعوب تلك الدول بالزراعة والصناعة والخياطة والتجارة والبناء دون الحاجة إلى الآخرين أو إلى استيراد قنانين الماء من دول أخرى، بينما نحن العرب مازلنا نستورد الماء في علب بلاستيكية تصنع في فرنسا، كما هو الحال في استيراد الإبر والطائرات. نحن لم نكتشف هذا الواقع في هذه اللحظة تحديداً وإنما نحن الآن نعترف به ونقر بعجزنا وبكل أخطائنا التي ارتكبناها حين رفعنا أيدينا ورفضنا بإرادتنا أن نقوم باتجاه إحياء الصناعات والزراعات وغيرها من الأمور التي تشكل أمن كل الأوطان، خصوصاً في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهنا في عالم اليوم، ومدى قدرتنا على كسر سياسة لي الأذرع وطحن عظامنا حين أرادوا لنا أن نتحول إلى دول مستهلِكة مدى الحياة.عندما تعجز المرأة العربية عن تربية أبنائها فتستقدم لهذا العمل المقدس مربِّية آسيوية، وحين يعجز الرجل بمفرده عن القيام «بغسل» سيارته فيستقدم آسيوياً للقيام بهذه المهمة التافهة، فهل يمكن لنا بعد كل هذا الكسل أن نتكلم عن أمنٍ صناعي وأمنٍ غذائي وأمنٍ مائي يمكن أن يهدد مستقبل الكرة الأرضية؟ العالم المتقدم يخشى المستقبل على الرغم من أنه كان ولا يزال يخطط له أكثر من الحاضر، فكيف بنا نحن الذين لم نقم بأي فعل يمكن أن يفتح أي نافذة على المستقبل؟ إن وضع كل «الأمن» المذكور في خطر، وحين نغض الطرف عن أمننا الغذائي والزراعي وعن بقية أنواع الأمن فإننا نغض الطرف عن وجودنا، وما أبشعها من نهاية وجود.