قد يختلف تعريف المدن الذكية من مرجع وكتاب إلى آخر، ولكن كل هذه التعريفات تتفق على أن لبنة بناء هذه المدن هي الحصول على البيانات وتحويلها إلى معرفة لتستخدم بصورة أو أخرى لتسهيل حياة وعمل المواطنين من خلال توفير معلومات قيمة أو خدمات متطورة بطريقة فعالة وبكفاءة عالية. وعلى الأرجح فإن ما يسهل فهم المدن الذكية، ما ستوفره من خلال دراسة لبنات بناء هذه المدن والتقنيات التي تقف وراءها، ولعل إنترنت الأشياء «Internet of Thing» هو أبرز الأعمدة الداعمة للمدن الذكية.تكمن الفكرة الأساسية وراء إنترنت الأشياء في ربط العالم الافتراضي، المتمثل بالإنترنت، مع العالم الواقعي الموجود حولنا. حيث سيقوم إنترنت الأشياء بالحصول على قدر غير محدود من المعلومات من جميع العناصر في بيئتنا من إنسان وحيوان وجماد وآلات عن طريق تحصيلها لاسلكياً من خلال أجهزة إلكترونية ذكية متناهية في الصغر. فهذه الأجهزة الذكية تلتقط مختلف المعلومات من خلال مجسات «sensors» كمجسات السرعة، والضوء، والحرارة، إلخ. ومن ثم تقوم بمعالجة هذه البيانات وتحويلها إلى معلومات مفيدة. كما ستقوم الأجهزة الذكية بتبادل البيانات والمعلومات بينها وبين بعضها لتقوم بعد ذلك بتحويلها من معلومات عن أشياء أو أماكن محددة إلى معلومات عن كل الأشياء التي في البيئة. وفي النهاية ستقوم الأجهزة الذكية بنقل هذه المعلومات إلى الإنترنت بطريقة آلية. وبالتالي لن يقتصر الإنترنت على المحتوى من صنع البشر وسوف تتوفر المعلومات بصورة غير محدودة عن كل شيء في كل مكان وزمان.لتطبيقات إنترنت الأشياء نصيب الأسد في المدن الذكية. فالمعلومات التي ستوفرها الأجهزة الذكية ستتيح للخبراء والعلماء والمهندسين تشييد طرق آمنة ومباني صديقة للبيئة وتقليل كلفة البناء. كما سنتمكن من بناء مدن تحاكي المتغيرات في الجو من مطر وغبار لتوفير المزيد من الراحة والأمان لسكان المدن الذكية. كما ستتيح المعلومات لمهندسي المدن معرفة الحاجات الحقيقية للسكان من خلال التعرف على أنماط معيشتهم وتوفير الحلول المناسبة لهم بدلاً من توفير حلول مبنية على الفرضيات. ولسكان المدن الذكية نصيب من التطبيقات الذكية التي تتوفر لهم عن طريق المعلومات والخدمات الذكية. فبالإضافة لتوفير مختلف المعلومات عن الطقس، توفر المدن الذكية التطبيقات التي تربط بين الأجهزة والسيارات والمباني وحتى الطرق. ففي مثال بسيط سيتمكن سكان المدن الذكية من الحصول على معلومات فورية عن صحتهم بمجرد الوقوف أمام المرآة لفرش الأسنان صباحاً وستكون هذه الأجهزة قد رصدت حالة صحتهم أثناء النوم ومن خلال فرشاة الأسنان والمرآة كذلك.وقد يخيل للقارئ بأن هذه التقنيات أشبه للخيال من الواقع، ولكن بنظرة بسيطة للتكنولوجيات والأجهزة الإلكترونية الموجودة حالياً قد نكتشف أننا قاب قوسين أو أدنى من هذه الثورة التكنولوجية، تلك الثورة التي تتنبأ بها كبرى شركات التكنولوجيا والتي سيعادل دخلها من تصنيع الأجهزة الذكية السنوي أكثر من جميع الصناعات الأخرى مجتمعة. وبالنظر مرة أخرى لمقومات صناعة المدن الذكية نجد أن هذه الصناعة لا تعتمد بشكل أساسي على توفر المواد الخام أو النفط بل تستمد قوتها من توفر العنصر البشري القادر على الإبداع والاختراع بحرية. وبالتالي ومع تبني القيادة الرشيدة التنمية البشرية وجعلها في صميم سياساتها ومشاريعها فإننا في البحرين محظوظون لتوفر العقول الوطنية القادرة على العطاء والابتكار ولتوفر البنية التحتية لتقنيات المدن الذكية والخدمات الإلكترونية، بالإضافة إلى توفر المدارس والمعاهد والجامعات المرتبطة بصورة مباشرة بمتطلبات سوق العمل وتكنولوجيات المستقبل. ولا يخفى على الجميع الدور الوطني التي تنتهجه جامعة البحرين في التنمية البشرية والتعليم واحتضان المشاريع والبحث العملي، لتصب في نهاية المطاف من خلال خريجين لديهم من مخرجات التعلم مما يجعلهم يسهمون بشكل مباشر في الاقتصاد وبالأخص اقتصاديات المعرفة. يبقى هنا أن نرى المزيد من التعاضد لبناء المدن الذكية في البحرين لتصبح مملكة البحرين التجربة الرائدة لتكنولوجيات المستقبل.* باحث في مجالات إنترنت المستقبل – جامعة البحرين
Opinion
نحو مدن ذكية
14 أكتوبر 2016