في عام 1856 كان هناك عالم إيطالي عبقري يدعى «أنطونيو ميوتشي Antonio Meucci»، وقد تنقل بين العديد من الوظائف، ولم يوفق في الاستقرار في أي منها، فانكفأ في مختبره المتواضع في أسفل منزله يحاول أن يستغل عبقريته ليصنع شيئاً يرتفع به مادياً ومعنوياً إلى منزلة لائقة، ويستطيع أن ينتشل زوجته من صراعها مع المرض، كان ينغمس في عمله وأبحاثه وتفكيره وفجأة يتذكر زوجته في الطابق العلوي، ويهرع للإلطمئنان عليها بين الحين والآخر، كي يتأكد من تناولها الدواء والطعام. ولكي يستطيع أن يتواصل معها بشكل مستمر دون أن ينقطع عن عمله توصل إلى اختراع ينقل صوته إليها عبر الأسلاك وأسماه «التلغراف المتحدث». وقد سجله بالفعل كبراءة اختراع إلا أنه ارتكب خطأ لم يصحح إلا بعد 146 عاماً، وهو ما كان سيكلفه عشرة دولارات لتصحيح السجل في ذلك الوقت، ولكن لفقره ووضعه البائس، لم يجد المبلغ. اشتدت متاعب الحياة على ميوتشي، واضطر لبيع منزله في المزاد ليسدد ديونه وينفق على أسرته، ومات فقيراً جائعاً مريضاً في كوخ متهالك.أثناء فترة مرض ميوتشي، وجد جراهام بيل نموذجاً من اختراعه، فسجله باسمه، بالتصحيح الذي لم يستطع ميوتشي تسجيله به لأنه لم يمتلك المال، وهو أن يكتب في براءة الاختراع المسجل أنه ينقل الصوت عبر الموجات الكهرومغناطيسية في الأسلاك النحاسية، وقد حاول ميوتشي أن يعترض بأصل النماذج التي وثقها من قبل، ولكن جميع النماذج فقدت من دار التوثيق التي كانت بها!! في عام 2003 نشرت إيطاليا موطن ميوتشي طابعاً بريدياً توثق فيه رسم نموذج ميوتشي الذي قدمه لتسجيل براءة اختراعه ولتمنحه بعد 147 عاماً حقه في الاختراع بعد أن اعترف مجلس الشيوخ الأمريكي في 2002 أن براءة اختراع الهاتف هي لميوتشي.بكل تأكيد جراهام بيل كان مخترعاً، ولكن عبقرية الاختراع وطمعه قادته إلى جريمة أخلاقية لا تغتفر، وما لا يغتفر أيضاً، ويعد أكثر قسوة، هي تلك الجريمة التي ارتكبت، حيث لا يزال الناس حتى هذه اللحظة لا يعلمون المخترع الحقيقي للهاتف، ومعظم المصادر المرموقة والموثوقة وكتب التعليم تنسب الاختراع إلى جراهام بيل بينما صاحبه الحقيقي أنطونيو ميوتشي مات فقيراً مريضاً جائعاً. العديد من الدراسات تشير إلى أن سبب تأخر وتراجع مؤسساتنا ناتج عن انكفاء أصحاب العقليات المتطورة عن تقديم حلولهم لمشاكل العمل من حولهم لأنه غالباً ما يسطو عليها مديروهم وينسبون لأنفسهم دون أن ينالوا منها شيئاً، بل على العكس تماماً في الأغلب يتعرضون إلى التهميش والإبعاد، خاصة إذا ما رفضوا التعاون. لكم أن تتخيلوا حجم النقمة والغضب على المؤسسة من هؤلاء الموظفين الذين في الغالب يتراجعون كثيراً إلى الخلف أو يرحلون!لكم أن تتخيلوا أيضاً حجم القهر الذي يتعرض له المبدعون في مجتمعاتنا نتيجة الفساد أو ضعف الرعاية بهم وانعكاس ذلك على تطور مجتمعاتنا، وماذا كان من الممكن أن يحدث لو أطلق لهذه القدرات العنان؟!تذكر عزيزي القاريء، وأنت تقرأ هذه الكلمات الأخيرة من المقال، أن الجهاز الذي لم يعد يفارق أيدينا كانت بداية فكرته رغبة زوج متألم في أن يتواصل مع زوجته المريضة، وتذكر أيضاً كم هي جريمة شنيعة سرقة أفكار الآخرين وجهودهم وتعبهم، كم هو مدمر لتقدم مؤسساتنا ومجتمعاتنا ودولنا وأمتنا، لا تشارك في هذه الجريمة الشنيعة، ولا تسكت عنها، ولا تقبل بها لأنك لو فعلت ستكون قد ساهمت في إعاقة تقدم الأمة.