في كل افتتاح دور انعقاد برلماني، يلقي جلالة الملك حمد حفظه الله كلمة سامية، فيها من الشمولية الكثير، والذي يغطي كافة الجوانب التي تهتم بالعمل البرلماني في البلاد، وما يرتبط به من أمور معنية بالمواطن وطموحاته والتي بناء عليها تضع الحكومة برنامج عملها وفق محاور مختلفة. كلمة جلالة الملك هي بحد ذاتها «خارطة طريق» متجددة، تختلف مضامينها في كل دور انعقاد، وهذا الاختلاف قائم على متابعة دائمة للحراك البرلماني في البحرين وتفاعل السلطتين التشريعية والتنفيذية في عملها، وعليه فإن التنوع في كلمات الملك يأتي دائماً لـ»يعدل» سير الأمور، ولـ»يوضح» الصورة إن شابها نوع من الضبابية، ولـ»يصحح» مسارات العمل من أجل الوطن والمواطن، والأهم لـ»يضبط» بوصلة اتجاه الحياة الديمقراطية في البحرين. الملك هو مرجعيتنا السياسية الأولى، ولذلك تطلعنا لمضامين كلمته أمر مهم في كل دور انعقاد، خاصة وأن الحراك البرلماني وتمازجه مع أداء السلطة التشريعية طوال عام كامل فيه دور انعقاد برلماني كامل، تشوبه وتسير معه تفاعلات الناس بين انتقادات وإشادات ومطالبات، وعليه فإن خطاب الملك بحد ذاته يأتي دوماً منتصراً للمواطن، مشدداً على ضرورة عمل السلطات بإخلاص وتفانٍ من أجله، وفيه من تحديد الأولويات ما يفترض بأن يستوعبه الجميع من نواب وشوريين ومسؤولين بحيث يكون مرتكزاً لعملهم. والأهم ما أكد عليه جلالته من الحفاظ على «وحدة الوطن»، ونبذ الطائفية والعنف والتفرق والتشرذم، وأن علينا اليوم مسؤولية كبيرة تتمثل بنقل صورة البحرين الحقيقية في روحها ووحدتها للأجيال القادمة. الآن يأتي الدور على الجهات المعنية وفق نطاقات عدة، وذلك تنفيذاً لتوجيهات جلالة الملك «نصير المواطن»، تنفيذاً «فعلياً» من خلال الأفعال، لا عبر البيانات الإنشائية الطويلة التي ستطالعنا في الصحافة. إذ ما نشهده دائماً بعد خطابات جلالة الملك وتوجيهاته يتمثل بـ»سيل» من تصريحات المسؤولين وحتى النواب، يثمنون فيها توجيهات جلالته ويعتبرونها بالفعل «خارطة طريق» إلى غيرها من التوصيفات، لكن السؤال يظل لدينا عالقاً، إذ إن كنتم تعرفون بأنها تصحيح لمسارات وخارطة طريق، فلماذا لا تترجمونها كاملة بمضامينها وأهدافها دون تأخير أو تلكؤ أو تباطؤ؟!بالتالي السلطة التشريعية المنتخبة من الناس، والتي عاودت أمس عملها بعد إجازة طويلة عن الجلسات البرلمانية الأسبوعية، عليها البناء على خطاب جلالة الملك أمس، عليها تخطيط عملها ورسم استراتيجياتها على المحاور التي ركز عليها رأس السلطات. ومن المهم في نفس الوقت، ألا تنسى السلطة التشريعية واجباتها تجاه الناخبين، وأن المواطن مازال ينتظر منها الكثير، مازال ينتظر تحقيق الشعارات النيابية وتنفيذ الوعود الانتخابية، وهي النقطة التي تجعل الناس «تفصل» في مدى نجاح النائب أو فشله. وحتى ينجح البرلمان في عمله، لا بد وأن تكون هناك تكاملية «حقيقية» مع السلطة التشريعية، إذ بكل صراحة وبلا مجاملة، ضاعت منا أوقات مهمة طوال سنوات عدة، فصول تشريعية وأدوار انعقاد متتالية، تعطلت فيها أمور فقط لأن هناك علاقة «غير مستقرة» بين السلطتين. هنا لا أقول بأن العلاقة ليست طيبة، بل على العكس، فصاحب السمو الملكي رئيس الوزراء حفظه الله حريص دائماً على التعاون السريع والتجاوب الدائم مع النواب، يزورهم ويزورونه، ويوجه الوزراء للتعاون الدائم والرد السريع عليهم، لكنني أتحدث عن التساهل في تقوية هذه العلاقة من قبل بعض المسؤولين وبعض النواب، إذ لو كانت قوية لما هزتها بين الفترة والأخرى حادثة عرضية هنا، أو صرخة هناك أو غيرها من أمور ليست بذات أهمية أو أولوية لدى الناس. وعليه السلطة التنفيذية عليها مسؤولية مهمة، هي أصلاً بيدها إنجاح عمل البرلمان أو العكس، تجاوب المسؤولين مهم ومطلوب، وتكاسل بعضهم في تعامله مع نواب الشعب والشوريين في المواضيع المهمة أمر مرفوض وتتوجب المحاسبة عليه. التكاملية في العمل بين السلطتين ليست قائمة على زيارات المجالس الصباحية أو تبادل الواجبات المجتمعية، بل هي في أساسها تقوم على مخرجات العمل بين الطرفين، والتفاعل الإيجابي الذي تخدم نتائجه الوطن والمواطن. كل ما نأمله أن يكون دور الانعقاد الجديد بداية خير، فيه تنضبط بوصلة العمل النيابي أكثر، وتكون أكثر التصاقاً بالناس، وبموازاة ذلك أن يطالعها أداء حكومي يحقق تطلعاتنا لرؤية البلاد ولما فيه صالح الناس.