عندما يتحول موكب عزاء حسيني إلى مظاهرة وتتحول المظاهرة إلى محاولة اقتحام منطقة يعرف المشاركون فيها مسبقاً أن الجهات المعنية بالأمن لن تسمح لهم بالوصول إليها فهذا يعني أنهم أساساً لم يخرجوا من أجل التعبير عن حزنهم على الحسين عليه السلام، وأنهم إنما يستغلون مناسبة عاشوراء وكل مناسبة دينية لتحقيق أهداف سياسية وأهداف مشبوهة، وإلا كيف يتحول موكب عزاء توفر الحكومة كل الأسباب المعينة على إنجاحه إلى مظاهرة ترفع شعارات سياسية وتتناول المملكة ورموزها بالسوء وتنتهي بالمواجهة مع رجال الأمن؟ وكيف يتحول موكب عزاء إلى مظاهرة تنتهي بمحاولة اقتحام منطقة محظور الوصول إليها ومعروف مسبقاً أن المحاولة ستنتهي بمواجهات قد تكون دامية، ويتضرر منها من لا علاقة له بالموضوع وتتعطل فيها مصالح الناس بسبب الفوضى التي تنتج عن ذلك؟ هذه التصرفات اللامسؤولة لا تحرج الجمعيات السياسية «المعارضة» فقط ولكنها تحرج حتى المتعاطفين معها ومع مستغلي المناسبات الدينية ومفتعلي الحوادث وتسيء إلى كل من خرج قبل خمس سنوات ونيف ليطالب بتحسين الظروف المعيشية ونيل المزيد من الحريات. مؤلم القول إن تلك التصرفات تدخل في باب المراهقة، لكن للأسف لا يتوفر قول آخر يمكنه أن يعبر بدقة عن هذا الذي يحدث، ومؤلم أكثر أن يقود الحراك في الشارع شباب صغار لا يدركون أبعاد ومضار وسلبيات ما يقومون به، أما الأكثر إيلاما فهو سكوت المعنيين في «المعارضة» عنهم وعن هذا الذي يقومون به وعدم تمكنهم من لجمهم. لذا فإن النتيجة المنطقية لكل هذا هو خسارة «المعارضة» وفقدها لكل ورقة يمكن أن تنفعها في تواصلها مع الحكومة، وإن مستقبلاً. تحويل موكب عزاء إلى مظاهرة تنتهي بمواجهات مع رجال الأمن حدث أيضاً في يوم العاشر من محرم في إحدى القرى، وهو الأمر الذي ما كان يمكن أن يحدث لولا أن قام البعض بلي يد المناسبة وحرفها واستغلالها كي تكون سبباً في حصول المواجهات التي يأتي منها بعض الصور والفيديوهات والأخبار والتقارير التي يعتقد ذلك البعض أنها ستعود عليه بالفائدة وتحرج الحكومة، وهو تفكير أعوج وغير واقعي لأن العالم لن ينظر فقط إلى الحدث ولكن سيسعى إلى معرفة أسبابه وسيؤثر ذلك سلباً على الحراك. هنا يبرز سؤال مهم، هل يعقل أن من يستغل هذه المناسبات بهكذا طريقة ويتسبب في حصول المواجهات مع رجال الأمن لا يدرك ما يقوم به؟ الجواب المنطقي هو أنه يدرك ذلك ويعلم جيداً أن الهدف منه هو الوصول إلى تلك المواجهات، ولعله في قرارة نفسه يتمنى أن يؤدي ذلك إلى حدوث وفاة لواحد أو أكثر من المشاركين. هذا يعني أن ذلك البعض لا يتحرك من تلقاء نفسه ولكن بعد تلقيه توجيهات من جهات معينة تستفيد كثيراً من مثل هذا الأمر، وإلا ما السر وراء المتابعة الحثيثة لتطورات الأحداث في البحرين من قبل الفضائيات «السوسة»، الإيرانية والتابعة لإيران والممولة منها؟ من يتابع بعض تلك الفضائيات يلاحظ أنها لا تتردد عن تخصيص حلقات كاملة لمناقشة وتحليل أسباب وظروف تعرض واحد من المشاركين في مواكب العزاء التي تتحول إلى مظاهرات وتنتهي بمواجهات مع رجال الأمن بجرح بسيط أو حتى بـ «شمخ»، وهو نفسه الذي تفعله فور أن يصلها خبر احتجاز سين أو صاد من المحسوبين عليها لبعض الوقت بعد إحالته إلى النيابة العامة لأسباب لا يختلف اثنان على أنها مقنعة ولا تتردد أي حكومة في العالم عن اتخاذها. كل هذا لن يفيد «المعارضة» بل يضرها ويضعف موقفها، وهو ما ينبغي أن تعمل بجد لوضع حد له قبل أن تفلت كل الأمور من يدها.
Opinion
المظاهرة التي كشفت المستور
17 أكتوبر 2016