هذه مقولة شعبية كانت تقال حين كان قائد السفينة يمتنع عن الإصغاء لنصائح البحارة، وتنطبق على من لم يسمع النصيحة وهو يتصدى للقيادة الشعبية أو الحزبية ويقف على منصة «باقون حتى يسقط النظام»، فقالوا له إن شعاراتكم غير واقعية ولا تناسبنا، لكنه صم الآذان عن النصح وادعى «الصمخ» أي الصمم، فقاد سفينته للغرق، وبعد خراب البصرة وقف على تلها وقال أملك الشجاعة للإقرار بأن تلك الشعارات لم تكن واقعية.. احلف؟!حين تدعو أيها القيادي شعبك «للثورة» وترفع له شعاراً لينادي به، فإن المجتمع إيماناً منه بحكمتك وعقلك وعلمك وذكائك وقدرتك على التصدي للقيادة يتبعوك، فنحن مجتمعات غالبية منهم يتحركون بآلية «معكم معكم» رغم مراحل التعليم وعمق الحضارة، لذا فإن القيادة مسؤولية جسيمة تحتاج لمراجعة الشعار ألف مرة قبل أن يرفع، فآلية معكم تجعلهم يصدقون شعارك ويقتنعون بجدواه وبواقعيته دون مناقشة، ويبدؤون هم بالدفاع عنه وبالمطالبة به وبإعادة كلماتك وعباراتك حتى وإن لم يفقهوا منها شيئاً، وقد يتبعونك بالمطالبة بهذا الشعار إلى مراحل قد تصل إلى التصادم مع الدولة، وقد تذهب أرواح نتيجة تلك التبعية المطلقة، وقد تحصل أضرار جسيمة تصل إلى انهيار اقتصادي وأمني لدولتك بمن فيها من أسر وأطفال ونساء وشباب، وقد تتدخل قوى دولية أو إقليمية منتهزة فرصة الفوضى، لذا فإن النداء والدعوة لا بد أن يكونا مدروسين بشكل جدي مع صفوف قيادتك ومع مجموعتك ومع حزبك، فنحن نتحدث بجد لا نلعب هنا، نحن نتحدث عن أرواح حقيقية وأموال حقيقية ودولة حقيقية، نحن لا نلعب «بلاي ستيشن» تتدرب فيه على بناء حصن وتجهيز جيش ومحاربة الحصون الأخرى؟ نحن نتحدث عن بشر حقيقيين ماتوا وهم يتبعونك.إن لم تكن متأكداً من أي دعوة فلا تتسرع ولا تتبرع بها، إن لم تكن دارساً تبعاتها وعقباتها فلا تتصدَ لها، إن لم تكن تملك قرار بدايتها وقرار نهايتها فلا تشارك بها، إن لم تكن عالماً بالثمن الذي سيدفع فلا تشترِ الشعار من غيرك وتلبس قميصاً ليس لك.فمن يتصدى لتلك القيادة لا يمكنه أن يتراجع بعد أن تتحقق كل تلك الخسائر ويقول إني أملك «الشجاعة» للإقرار بأن شعاري لم يكن واقعياً ولم يكن مناسباً!! ذلك الإقرار الذي صرحت به اليوم ليس «شجاعة» أبداً، بل هو جبن وهروب للخلف، وادعاء لبطولة وهمية، إن لم يكن الإقرار تنحياً مصحوباً باعتذار والتماس لعفو لا من الدولة ولا من خصومك -فخصومك لا ينتظرون منك شيئاً- بل بالتماس لعفو من الذين تبعوك لآخر المطاف وراحت أرواحهم وذهب أمنهم واضطربت أحوالهم وتدمر مستقبلهم، إقرارك بخطئك إقرار لا يساوي الحبر الذي كتب به، أين يصرف هؤلاء الذين شجعتهم على الفوضى وخرق القانون شعارك؟ أين يصرفه رفاق دربك الذين اتهموا بالتخاذل وفرقت بينهم وبينك الدروب لأنهم فقط قالوا لك حين ذاك إن ذلك الشعار ليس واقعياً ولا يناسبنا، فلم يلقوا إلا «صمخ النواخذة» أقليل ما فعلتموه بهم؟!!في لحظة كهذه لا يبحث أحد عن شماتة، ولا يبحث أحد عن شماعة تنقذه من المواجهة الذاتية، لينسى من رفع شعاراً وتراجع عنه خصومه، وينسى من اختلف معه، فالأمر الآن ليس بينه وبين خصومه، بل بينه وبين من صدقه وتبعه وآمن به وضحى من أجله، لهؤلاء احكِ لهم اليوم بلسانك وبالتفصيل لماذا كان الشعار الذي رفعته «غير واقعي» أو «لا يناسبنا»؟!! اشرح لمن تبعكم دروساً الآن عن الواقعية وأثر الظرف المكاني والزماني والإقليمي والدولي الذي يتناسب مع هذا الشعار وإن كانت هذه الظروف موجودة الآن أو كانت موجودة عام 2011، لأن شرحك سيتطابق اليوم مع من اتهمتموهم بالتأزيم عام 2011 واتهمتموهم بالعمالة واتهمتموهم بالارتزاق، رغم أن هؤلاء كانوا لكم ناصحين فدعوتم أتباعكم بصم الآذان عنهم، وصدقوني تلك ليس شماتة إذ لم يكن النصح وقتها خصومة حتى يشمتوا الآن، بل كانت نداءات لم تسمعوها وفي آذانكم صمم نداءات مخلصة للم الشمل الوطني وجمعه والانطلاق به إلى الأمام، إنما «بواقعية وبما يناسبنا»!!