خبر إطلاق الحوثيين صاروخاً باليستياً من نوع «بركان 1» قيل إنه استهدف مكة المكرمة الأسبوع الماضي وتم اعتراضه وتدميره من قبل قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية قبل وصوله الهدف بخمسة وستين كيلومتراً لم يصدقه كل المتحمسين والمؤيدين والمناصرين للحوثيين ومن يقف من وراءهم ويدعمهم، وملخص ما قالوه هو أن الحوثيين مسلمون ولا يمكن منطقاً أن يستهدفوا مكة المكرمة حيث بيت الله الحرام والكعبة المشرفة، كما أنهم ليسوا بالغباء الذين يدفعهم إلى أن يرتكبوا مثل هذه الحماقة لأنهم المتضرر الأكبر منها، والأكيد أنهم يعرفون جيداً ردة فعل المسلمين في كل العالم إزاء مثل هذا الفعل الخسيس الخاسر. أما الرد على هؤلاء فكان بسؤال بسيط ملخصه هو: وهل أن الحوثيين من الذكاء بحيث لا يورطون أنفسهم في مثل هذا الفعل؟ لو كانوا بالفعل أذكياء هل كانوا يعرضون وطنهم لكل هذا الذي تعرض له منذ أن قاموا بـ «اغتصابه» يوم اعتدوا على الحكومة الشرعية واحتلوا صنعاء؟ منطقاً، من يقوم بانقلاب على الحكومة الشرعية في بلاده ويتسبب في تقسيم وطنه ويدخله في حرب أكلت الأخضر واليابس وزادت من تأخر هذا البلد العربي الأصيل كثير المعاناة وتسبب في أذى أهله لا يستبعد أبداً أن يقوم بمثل ذلك الفعل خصوصاً وأن الدوافع للقيام به متوفرة وأولها الخسائر التي صار يتكبدها على أيدى جنود قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، يضاف إليه ما يتم تداوله عن قرب التوصل إلى نهاية للحرب لا خاسر فيها غير الحوثيين. في السياق نفسه يصعب تصديق ما أعلنه مكتب الخارجية البريطانية في بيان نشره على موقعه الرسمي قبل يومين وملخصه «أن الصاروخ الذي أطلق من قبل الحوثيين قبل أيام من محافظة صعدة كان يستهدف مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة وليس مكة المكرمة كما قالت السعودية»، فقد يكون لبريطانيا من هذا الإعلان هدف يصعب تبينه الآن خصوصاً وأنه جاء بعد أيام من الحادثة. ما ينبغي ألا يغيب عن البال في موضوع كهذا هو أن لإيران مصلحة من ورائه، يعزز هذا الرأي أن الصاروخ «يمني من أصل إيراني» وأن إيران هي التي تحرك الحوثيين ولا تراعي قدسية مكة المكرمة ولا تضيع أي فرصة لتسيء إلى السعودية التي تعتبرها عدواً. من الآراء التي قيلت في هذا الخصوص وليست بعيدة عن المنطق أن إيران تجرب من خلال الحوثيين أنواعاً من الصواريخ على الطريقة نفسها التي تجرب فيها روسيا أسلحتها الحديثة في سوريا، وأنها تريد أن توصل إلى العالم رسالة مفادها أن السعودية عاجزة عن توفير الأمن في المدينة المقدسة وأنه لهذا تصر إيران على مسألة التشارك في إدارة الحرمين الشريفين والتي «حرنت» عليها في موسم الحج الأخير. في زمن الحرب يمكن حدوث كل شيء، وكل طرف فيها يجتهد في تحقيق المكاسب ولا يفوت أي فرصة يمكن أن يضعف من خلالها الطرف الآخر، وكل هذا يدخل في باب الجائز والمشروع، لكن أن يصل الأمر إلى حد التورط في استهداف مكة المكرمة أو المدينة المنورة اللتين شرفهما الله تعالى فهذا ما لا يمكن استيعابه ويتطلب من المتهم أن يوفر ألف دليل ودليل على أنه لم يقم حتى بالتفكير في هذا الاتجاه. كالآخرين، أتمنى أن يكون الحوثيون قد صدقوا في نفيهم الاعتداء على مكة المكرمة وألا يكونوا قد فكروا في مثل هذا الأمر، وأتمنى كالآخرين أيضاً ألا يقعوا فريسة سهلة لإيران التي يعميها طموحها في استعادة الإمبراطورية الفارسية عن كل مقدس لدى المسلمين حتى لو كان مكة المكرمة.