بدل أن يفكر بعض النواب هداهم الله في تخفيض رواتب المواطنين من موظفي الدولة، وهو تفكير يتناقض مع مهمة النائب في الدفاع عن مصالح الشعب، عليهم أن يفكروا جدياً في الأمور التي ستقر في المستقبل، وسيكون لها تأثير مباشر على الناس. اليوم هناك حديث عن إقرار «ضريبة القيمة المضافة»، ووسط أقاويل تفيد بأنها ستكون بنسبة 5 ?، وستطبق في بداية عام 2018. التحدي الأكبر أمام النواب يتمثل في هذه الضرائب، وكيف يمكن التعامل مع المقترح المعني بها، والذي تتوجه لإقراره الحكومة، في توجه يشمل بعض دول الخليج العربي، لتدخل بالتالي منطقتنا نظام الضرائب، بعدما ظلت تقريباً المنطقة الوحيدة في العالم التي لم تطبق نظام الضرائب بعد. شخصياً عشت لفترة في بريطانيا ورأيت كيف يتم العمل بنظام الضرائب، وهو نظام يستجلب استياء وامتعاض الناس هناك، لكن مع فارق بأن مقابل الضرائب التي تأخذها الحكومة، هناك خدمات عديدة توفر للناس، بحيث يحس المواطن أن ما يحصل عليه من خدمات واستفادة من المرافق هي من صميم ما يدفعه من ضريبة، وهو الأمر الذي يقلل نسبة الرفض. لكن أيضاً بموازاة ذلك، عملية فرض الضرائب تأتي في تلك المجتمعات في ظل رواتب وأجور مرتفعة، تجعل المواطن قادراً على عيش حياته بلا ضغوط، لا أن تفرض عليه ضرائب وراتبه بالكاد يغطي مصروفاته قبلها، فما بالكم لو ظلت الرواتب على ما هي عليه وفرضت الضرائب؟!نطرح سيناريوهات هنا، على بعض النواب يدرك أهمية التحرك من الآن على الموضوع، أقلها حتى يضمن أن المواطن لن يتأثر وتضيق عليه الأمور، وحتى نتجنب سيناريو مشابه لعملية إعادة توجيه الدعم عن اللحوم، والتي قابلتها تعويضات بمبالغ زهيدة للمواطن، أو رفع سعر البنزين الفجائي والتي لم تقابلها أية تعويضات للناس. في البحرين كانت هناك زيادات للرواتب على فترات، لكنها كلها ارتبطت بارتفاع الأسعار والغلاء، وهي خطوة كانت حتمية على الحكومة اتخاذها وإلا لعانى الناس كثيراً. لكن اليوم إن كان من توجه لإقرار ضريبة القيمة المضافة ما تعني رفع الأسعار على كل شيء، ولربما تطال حتى الرواتب في مرحلة متقدمة، ونقول ذلك على افتراض، إذ حتى الآن لا يوجد تصريح رسمي يصرح بالموضوع ويوضح للناس المسألة وتداعياتها. أقول لو كان من توجه لإقرار هذه الضريبة، فإنه يفترض أن تسبقها منطقياً عملية زيادة في الرواتب، بحيث لا يحس المواطن بتأثير هذه الضريبة.أقول منطقياً، وقد يقول قائل محسوب على الحكومة بأنه لا يمكن اليوم بأي حال من الأحوال رفع الرواتب نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة، ومقابل ذلك نقول إذن لماذا فرض الضرائب؟! هل الهدف مواكبة ما يحصل في العالم، أم بهدف تقليل الحمل على الحكومة، وتحصيل رسوم على كافة السلع والخدمات بحيث تدخل في الموازنة العامة؟!لو فرضت الضريبة على كل شيء، فإنك تتحدث عن مبالغ تدخل للدولة من المطاعم والفنادق وخدمات الاتصالات وكل شيء، أي أنك لو استخدمت هاتفك في الاتصالات، فإن قيمة المكالمة ستحتسب عليها ضريبة بنسبة 5? كما يتردد، وتتجمع هذه المبالغ وتسدد للحكومة لا لشركة الاتصالات التي تأخذ فواتيرها كاملة. هنا الخوف من أمر واحد، يتمثل بأن المواطن سيدفع هذه الضريبة، في الوقت الذي بالتأكيد ستكون هناك عمليات رفع للأسعار، باعتبار أن القطاعات التجارية سترفع أسعارها لتعويض النسبة التي ستدفعها للحكومة. أقول هنا ربما قراءتنا ليست كاملة للعملية، وليست بالصورة التي ستعتمدها الحكومة، بالتالي عملية التوضيح الرسمية مهمة، كما بينا أعلاه. لكن بعيداً عن ذلك كله، السؤال يتمثل في أين يتجه المواطن؟! ومن يخاطب ليضمن عدم تضرره من أي عملية تغيير في السياسات؟!هنا نعود للنواب، ونقول بأن واجبكم اليوم أن تتعاملوا مع مثل هذه الملفات بجدية، وأن يكون حرصكم على ضمان عدم التضييق على الناس، وبالنسبة لموضوع الضرائب، فإننا لو أردنا اتباع السيناريو الغربي، فإنه يقول برفع رواتب الناس أولاً قبل إقرار الضريبة، حتى تكون هناك عملية نسبة وتناسب. الخلاصة بأن النواب عليهم ربط عملية الضرائب برفع الرواتب، في جانب آخر عليهم بيان الجوانب العديدة الأخرى التي يمكن للحكومة من خلال تقنين الصرف فيها وضبط النفقات وتحجيم التضخم في المشاريع والمبادرات الوزارية، يمكن لها توفير مبالغ مليونية، بما يجعل اتجاه البوصلة يتغير عن «جيب المواطن».هذا الملف الذي نريد للنواب أن يرونا «عضلاتهم» فيه، لا مقترحات تضيق على المواطن وتولد لديه الاستياء.
Opinion
رفع الرواتب.. وفرض الضرائب!
06 نوفمبر 2016