لم يعد قرار الذهاب إلى تشكيل الاتحاد الخليجي اختيارياً وليس فيه متسع من الوقت للتأجيل، بين الأخذ والرد، بل أصبح مساراً حتمياً ومطلباً شعبياً ضاغطاً له مبرراته أكثر من أي وقت مضى. ومع التطورات المتسارعة التي تجتاح المنطقة وسقوط العراق والذي كان بمثابة خط الصد الدفاعي الأول وتحوله إلى ساحة إيرانية مفتوحة، وما أعقبه من اضطراب في اليمن، وتمترس الحوثيين في سهوله وجباله، وتهاوي سوريا، وانشغال كل بلد في المنطقة بما يؤرق قادته وينهك شعبه والتغيرات المتسارعة دولياً، وتحول إيران من دولة كانت منكفئة بعد حربها الضروس مع العراق إلى دولة عدوانية، تجاهر ليل نهار بتصدير ثورتها المشؤومة وعدائها الواضح لبلدان وشعوب المنطقة، مدعومة من الصهيونية العالمية، وتطاولها متحدية العالم العربي والإسلامي، بإطلاق صواريخها الغادرة، مستهدفة قبلة المسلمين إضافة إلى دخول الدب الروسي، وتشكيل تحالفات منها معروف وأخرى مازال يلفها الغموض والريبة، والتي أثرت بشكل مباشر على عدم استقرار المنطقة، والذي أصبح من الصعوبة أن تتحمل تبعاته ونتائجه دول مجلس التعاون الخليجي، لدرء الأخطار المحدقة بهم، عليه بات واجباً شرعياً ووطنياً وأخلاقياً إعادة ترتيب البيت الخليجي وترصين دفاعاته وتحصين خنادقه بالتحول دون تأجيل من حالة التعاون التي كانت خطوة مرحلية ناجحة إلى حالة الاتحاد.لقد سعت المملكة العربية السعودية منذ عام 2011 لإقناع قادة دول مجلس التعاون الخليجي بتطوير حالة المجلس والذهاب به إلى الاتحاد، ولعل الهاجس الأمني الذي بنت عليه القيادة السعودية توجهها بطرح صيغة الاتحاد وتمسكها به هو إدراكها المبكر للتداعيات التي اجتاحت الوطن العربي في أكثر من موطن، بثورات هي أقرب إلى العبثية وتديرها أياد خارجية، كذلك شعورها بالتهديد الفعلي للنفوذ الإيراني، والذي كانت أولى انزلاقاته تحرك عملاء إيران في البحرين لزعزعة أمنها واستقرارها.ولقد تطابقت تلك الرؤية مع توجه مملكة البحرين، وكانت محط اهتمام وترحيب من قيادته، والبلدان حريصان على عدم وصول الأمر إلى ممر ومنعطف ضيق أشبه بعنق الزجاجة التي ربما لا تضيق فحسب، بل ربما ستحكم فوهتها الضيقة على الجميع إن بقي البعض متخذاً حالة التسويف واللامبالاة ويجاريه البعض الآخر بدواعي الحفاظ على البيت الخليجي من التخلخل. فإن كانت هنالك تحفظات واعتراضات من البعض فلها حلول ومخرجات كثيرة يدركها القادة وفحول السياسة، لذا يتحتم ألا تكون تلك التحفظات عقبة في تشكيل الاتحاد، وإن أصرت بعضاً من القيادات على الوقوف بالضد منه أو التحفظ عليه، فهي أما أنها لا تدرك الخطورة المحدقة بدولنا وشعوبنا أو أنها قد حزمت أمرها لمغادرتنا وينقصها الجرأة بالتصريح والانفصال والانضمام لمعسكر تحتمي به وهذا شأن سيادي تتحمل لوحدها تباعته.إن دول مجلس التعاون لا تحتاج الكثير من أجل الانتقال إلى حالة الاتحاد، فالقواسم المشتركة والمستوى الاقتصادي المتقارب والحدود الجغرافية المتداخلة واللغة والحضارة إضافة إلى تطلع الشعوب وتوافقها بل أملها المنشود هي أهم العوامل التي تبنى عليها الاتحادات الناجحة، وهي متجذرة ومتوفرة وفي أعلى مستوياتها في دول مجلس التعاون الخليجي، وإن كان عنوانها المرحلي وهدفها بالدرجة الأولى سيصب في الجانب الأمني، لكنه وبعد أن يتيقن الأعداء من جدية هذا التوجه ومن ثم تحوله إلى حقيقة ستتغير تباعاً الكثير من مواقفها، وسيكون الاتحاد رقماً صعباً يتعذر تجاوزه أو تجاهله، وسيتم التعامل معه كقوة اقتصادية وبشرية له حضوره في المحافل الدولية لتنعكس بعدها إيجاباً النتائج في كل مناحي الحياة الكريمة.من هنا استشعرت مملكة البحرين وقيادتها الرشيدة وجمعياتها السياسية ومنظماتها المدنية وشعبها المتحضر المسالم خطورة ما آلت إليه الأوضاع ووصولها إلى الحد الذي لا يمكن للحصيف أن يكون متفرجاً حتى يدركه الغرق، فبادرت إحدى جمعياتها السياسية بالتحضير لعقد مؤتمر الاتحاد الخليجي الجامع في منامة الخير والعطاء، لمجابهة التحديات تحت رعاية كريمة من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وسدد للخير خطاه يومي 12 و13 نوفمبر لهذا العام للمناقشة والدراسة المستفيضة ووضع التصورات لهذا الخيار الحتمي المصيري.ومن المؤمل أن تكون مخرجات هذا المؤتمر تحت رعاية جلالته وبنظرته الثاقبة وحكمته المعهودة وعلاقاته الطيبة التي يتمتع بها في الأوساط الخليجية والعربية والعالمية اللبنة والمنطلق وحجر الأساس للاتحاد الخليجي الذي سيكون سدرة يحتمي بظلها الوافر الجميع في حلم طال انتظاره.