في مثل هذا اليوم الذي يعلن فيه من هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كانت (الدنيا) تسهر حتى الصباح كي تعرف كيف ترتب أمورها إن كان الفائز جمهورياً أو ديمقراطياً، صحيح أن السياسة الخارجية الأمريكية تعتمد على ثوابت لا تتغير كثيراً بتغير الإدارات، إلا أن أساليب التعاطي مع تلك الثوابت تختلف من حزب لحزب، ومن إدارة لإدارة، حتى جاء المدعو أوباما وهز الثوابت من جذورها، وجعل من الولايات المتحدة الأمريكية وهي القوة العظمى مصدر خطر وتهديد للأمن الدولي، وفسح المجال للفوضى بشتى أنواعها أن تسود العالم فتمدد الدب الروسي لا لشطارته، وإنما لضعف خصمه، وانتشر الإرهاب وعم أوروبا ووصل لأمريكا لا لقوة وبطش هذه التنظيمات الإرهابية إنما لضعف وتردد الإدارة الأمريكية وعدم حسمها للأمور، في النهاية قرار الانسحاب من مناطق الصراع زاد من حدة هذه الصراعات وترك ثغرات ملأتها روسيا والتنظميات الإرهابية على حد سواء! بالنسبة إلينا في منطقة الخليج فقد أحدثت العقيدة الأوبامية هزة كبيرة في ثوابت العلاقة الأمريكية الخليجية، وجعلت الخليج يلتف شرقاً وشمالاً للبحث عن بدائل، مما جعل الرئيس القادم في وضع لا يحسد عليه، صعب عليه العودة (لأمريكا والخليج) قبل أوباما وصعب عليه المضي قدماً (لأمريكا والخليج) ما بعد أوباما.وصلنا إلى قناعة في دولنا الخليجية فيما يتعلق بعلاقتنا بالولايات المتحدة الأمريكية جعلت من الاهتمام يتراجع لأدنى صوره، بحيث أصبح الأمر سيان سواء أفاز ترامب أم فازت كلينتون فإن موقفنا من قضايانا الأمنية والسياسية أصبح بعيداً جداً عن البوصلة الأمريكية، ويجب ألا يتغير ويبقى ثابتاً نحن والمملكة العربية السعودية تحديداً، وعلى من يفوز أن يؤقلم نفسه مع أمرنا الواقع.موقفنا من الجماعات الدينية المدعومة من مرشد أعلى أو مرشد عام، موقفنا من مصر، موقفنا من سوريا، موقفنا من الحوثيين، موقفنا من الحكومة العراقية وحشدها الشعبي، جميع تلك الملفات تمس أمننا القومي وأمننا الوطني، لا يجب أن تتأثر بفوز ديمقراطية أو جمهوري.وأي تقاطع من تلك الملفات مع «حقوق إنسان» أو مع «مبدأ السيادة» لا يجب أن نتهاون فيه أياً كان الفائز، والرأي فيه يجب أن يكون قاطعاً وحاسماً، إن أمننا ليس موضع نقاش، فبقاؤنا كدول هو الذي على المحك الآن في ظل تساقطها من حولنا وفي ظل تردد أمريكي لا يبدو أنه سيتغير في القريب العاجل، وبقاؤنا لا يحتمل أي تسويف أو ارتهان لأي مصدر خارجي عدانا نحن كشعوب وأنظمة، حتى وإن كان هذا المصدر هو الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها لن تنفعنا في حال تزعزع أمننا وعدنا للمربع الأول من مرحلة الاضطرابات.المصالح الأمريكية في المنطقة أصبحت رهناً بقبول الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الأمر الواقع الذي نحدده نحن لا هم هويته ونوعه ومدى مواءمته لمصلحتنا لا العكس، وإبقاء الخيارات مفتوحة لتعدد الخيارات الدفاعية والأمنية لمنطقتنا وبتعزيز علاقاتنا واتفاقياتنا الدولية قرار يجب أن نواصل السير فيه والعمل عليه، بالتزامن مع مزيد من التنسيق بين دولنا الخليجية على الصعيد الأمني والعسكري، لذا فاز ترامب أو فازت كلينتون أمريكا لم تعد أمريكا.