وصفت وسائل إعلام أمريكية عديدة بالأمس فوز المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب بأنه «أكبر صدمة» في تاريخ الانتخابات. تذكروا هنا أن الإعلام الأمريكي أكبر «صانع للوهم» وأكبر مروج لـ «اللاواقعية»، فطوال شهور وقف بمشاهيره ومقدمي برامجه مع هيلاري، مستخفين بترامب ومستهزئين به.الإعلام الأمريكي صور للعالم بأن هيلاري ستفوز باكتساح، خاصة أنها تفوقت بالفعل في «المناظرات الرئاسية» الثلاث، لكن هذا الإعلام أغفل سيكولوجية المواطنين الأمريكيين، ومن منهم سيجد كلام ترامب مقنعاً، والأخطر وقت التصويت حينما يكون الشخص بمفرده. هيلاري لعبت بشكل واضح على عواطف المهاجرين والمواطنين الملونين، وكسبت أصوات المشاهير من الممثلين، لكن مشكلتها تمثلت في أنها محسوبة على النظام الإداري الحالي، نظام أوباما، وبالتالي لم توجه أي نقد للسياسات التي اتخذت طوال ثماني سنوات، في المقابل ترامب ليس مسؤولاً أمام الشعب الأمريكي عن هذه القرارات، بل هي ساعدته وقوّت موقفه عندما انتقدها مستفيداً من خبرته كرجل أعمال في إبراز الملف الاقتصادي ووضع المواطنين وكيف أن مليارات أمريكية صرفت في الخارج للتدخل في شؤون دول عديدة، من ضمنها موجة «الخريف العربي»، وما حصل في العراق من تسليمه لإيران، والاتفاق النووي مع إيران والإفراج عن ملياراتها المجمدة. في 2012 خرجت مظاهرات «وول ستريت» باحتجاجات الناس على السياسة الاقتصادية لأوباما والتي وصلت لتهديد رواتبهم التقاعدية.ترامب قال للمواطنين ما يريدون سماعه، وما يمس معيشتهم، وأغلب الأمريكان لا تهمهم السياسة الخارجية بقدر ما يهمهم تحسين وضعهم، هم أصلاً مستاؤون باعتبار أن أولادهم ماتوا في حروب هي أصلاً تستنزف خزينة اقتصادهم بالمليارات. ترامب شرح سياسة أوباما وبين للناس المصائب التي قاموا بها، وبالتالي مع هذه الحقائق والأرقام، أصبحت الأسلحة التي استخدمتها هيلاري لتحاربه في شخصه وتركيبته كإنسان له تصرفاته، ورقة باهتة محروقة، بل خدمته أكثر، إذ الكثيرون ظنوا بأن ترامب سيستخدم ورقة «مونيكا لوينسكي» ليحرج هيلاري بسوابق زوجها، لكنها هي من سبقته باستغلال تسريب تسجيله لحديث فيه عبارات جنسية قوية تدل على تصرفات لا أخلاقية، وضعت هيلاري في خانة المستخدم للحرب الشخصية. حتى كلام ترامب عن روسيا، قال ما يريد المواطن الأمريكي سماعه، هذا المواطن الذي سئم من عيشة «حالة الحرب» الدائمة التي يدندن عليها أوباما وهيلاري، إذ كتاجر ورجل أعمال، قالها ترامب بوضوح وبساطة بأنه أين المشكلة لو تحسنت العلاقات الأمريكية الروسية بشرط أن تحقق فائدة للاقتصاد الأمريكي واستقرار سياسي في العالم؟! إن كان ترامب مجنوناً كما يصفونه، فإن جعل شعبك يعيش حالة حرب دائمة في تفكيره ومخيلته هو الجنون بعينه، وهو ما فعلته هيلاري بأسلوب «الكاوبوي»!الأمريكان تعاملوا مع العملية مثل «المغامرة»، هم جربوا الديمقراطيين، فأوصلهم أوباما لأعلى عجز مالي في تاريخهم وديون بالتريليونات للصين واليابان وبريطانيا وغيرهم، أخرجهم من العراق بهزيمة تسليمها لإيران وضياع دماء أبنائهم في الجيش، وجاءهم بنظام صحي يكسر ظهورهم مالياً، وبالتالي ما المشكلة من التغيير وتجربة الغير، خاصة لو كان رجل أعمال ناجح حول ملايين إلى مليارات، وحديثه يركز على الاقتصاد ومصلحة المواطن الأمريكي مقابل مصلحة من يطلبون اللجوء لبلاده أو يتسللون لها. نظام أوباما بعثر مليارات على دعم إرهابيين وجماعات راديكالية متطرفة، وضرر سياستهم وصل للبحرين ومازال مستمراً حتى ليلة الانتخابات التي رأينا فيها صوراً لعناصر من جمعية «الوفاق» الانقلابية المنحلة وهي تزور السفير الأمريكي في تجمع السفارة لمتابعة الانتخابات، وهي زيارة كان الأمل فيها التهنئة المسبقة لفوز هيلاري التي تدعم فوضى الشرق الأوسط، وهنا نقول الحمد لله أن رجعوا خائبين، بأمل أن يغير ترامب سفيره وسياسته في البحرين ويبدله بأشخاص لديهم الرغبة في بناء علاقات صداقة حقيقية ومد جسور للتعاون الاقتصادي الفعلي ويبتعدون عن التدخل في سياسة بلادنا الداخلية. حتى قضية تسريب «الإيميلات» السرية، شهدت تدخلاً من أوباما حتى يوقف الـ «إف بي آي» تحقيقاته مع هيلاري، إذ لو كان في موقعها شخص محسوب على الجمهورين لتمت إقالته على الفور ومحاكمته، لكن حتى هذه العملية حاولوا التعامل معها وكأنها «شيء طبيعي»، لكن المنطق يقول إنها أخطر من تسجيلات ترامب وتصريحاته بحق فئات معينة من البشر. لست مبتهجاً لفوز ترامب، ولن أكون سعيداً بفوز هيلاري، بيد أنني أقول إنه سيكون ذا ضرر أقل، والدليل تبدل خطابه كمرشح عن أول خطاب له كرئيس، حين بانت الرصانة والاحترام فيه حتى لهيلاري نفسها والتي وصلت لمرحلة تتوسل فيه وتطلب منه التنازل، بل قال بصراحة إنه سيتعامل بنظافة وتعاون مع الدول التي تتعامل مع بلاده بكل نزاهة ورغبة في مد جسور الصداقة. لننتظر ونرى ماذا سيفعل ترامب، فإما حرب عالمية ثالثة، أو سياسة جديدة أفضل من سابقيه، وما تبدل خطابه إلا مؤشر قد يدفعنا للقول إنه الخيار الأفضل.