لا أحد يتصور حجم الأضرار النفسية التي يمكن أن تسببها الازدحامات المرورية في جاكرتا، وعلى طول الخط الممتد من العاصمة الإندونيسية إلى «بوقور»، حين تظل بالساعات الطويلة محشوراً داخل سيارة الأجرة الصغيرة. لا يستغرق قطع المسافة من جاكرتا إلى مدينة «بوقور» أكثر من ساعة واحدة، لكن الوقت الذي استغرقناه لعبور هذه المسافة حين زرتها قبل أربعة أشهر يمتد إلى نحو 6 ساعات كاملة بسبب ضيق الشوارع وسوء التخطيط وكثرة السيارات والدراجات النارية والانفجار السكاني الهائل، حينها قفز ذهني إلى البحرين فقلت في نفسي «الحمد لله» أن وطني أكثر تنظيماً من جاكرتا.اليوم وبعد انقضاء رحلتي لتلك الدولة التي لا تسكن ولا تهدأ، بدأتُ أتحسس بعض القضايا المشتركة في مسائل تنظيم الشوارع وأعداد السيارات بين البحرين وجاكرتا، وكأن البحرين ستتحول في الأعوام أو الشهور القادمة إلى «بوقور» الخليج، ومن المستحيل إذا ظل الوضع على ما هو عليه أن تقطع المسافة بين المنامة وبقية المدن القريبة منها في ظرف ساعة بل ستحتاج لساعات طويلة بسبب فقداننا السيطرة على شوارعنا وسياراتنا ومخططاتنا التي عجزت عن إيجاد الحلول لمشاكل الازدحامات المرورية المتكررة، ولأننا فقدنا التحكم في أعداد السيارات سيكون من الطبيعي جداً أن تتحول البحرين إلى مقبرة للسيارات. المسألة خطيرة للغاية، وها هي اليوم بدأت تضغط على مشاريعنا المستقبلية وعلى البنية التحتية وعلى ميزانية الدولة كما بدأت هذه الأزمة تستنزف قدراتنا وطاقاتنا وأوقاتنا وأعصابنا بشكل غير مريح، ولهذا وجب على الحكومة أن تتحرك لإيجاد مخرج لهذه المشكلة الكبيرة قبل أن تتفاقم لتضخ جلَّ موازناتها على ترقيع الطرق في محاولة بائسة لرسم حلول غير فاعلة لمستقبل الحركة المرورية التي بدأت تدخل في موت سريري مؤكد. ربما يكون كلامنا هذا موجعاً لبعض الجهات الرسمية لكن عليها أن تتقبل الحقيقة المؤلمة التي يجب أن نواجهها لا أن نهرب منها، وأن نداويها قبل أن تصل لمرحلة فقدان الأمل لأي علاج قادم، فما نراه وما نعيشه من ازدحامات مرورية مؤذية كل لحظة وكل ساعة لا يمكن السكوت عنه أو «تطنيشه» أو الاستخفاف به، لأن الأزمة المرورية في البحرين وصلت لمرحلة حساسة جداً، وربما وصلت في بعض مناطقنا لمرحلة اليأس إذ تظل السيارات واقفة لا تستطيع أن تتحرك من مكانها لساعات طويلة، وقد يتسبب حادث مروري تافه في شارع عام إلى شلِّ كامل الحركة المرورية في كل أنحاء البحرين، وهذا الأمر يؤكد ما نذهب إليه من وجود أزمة مرورية حقيقية يجب الاعتراف بها بكل شفافية بعيداً عن المديح الفارغ والتلميع المضر بسلامة هذا الوطن. لا بد أن تسارع الحكومة في وضع حلٍّ حازم للأزمة المرورية في البحرين شريطة أن يكون أسرع من تداعيات المشكلة، كما نطالب الجهات المعنية أن «تنورنا» بخططها المقبلة تجاه هذه المعضلة وألا تخفي علينا سراً عندما تتوصل إلى حلٍّ ناجعٍ ومفيد.