جرت العادة أن برامج التواصل الاجتماعي تضج وتزدحم بموضوعات الساعة، خاصة السياسية والاقتصادية وما يمكنه أن يثير زعزعة الأمن النفسي ويعكر الصفاء الفكري عند بعض الناس. ومع هذا تبقى الموضوعات الاجتماعية متفردة بكينونتها ولها نكهتها الخاصة، والتي لا تنفد مدة صلاحيتها، وإن طال الحديث عنها أو قصر. فالأمور الإنسانية والحث على عمل الخير والاستنكار للطغيان والاستبداد والظلم بشتى أنواعه، مهما كبر حجمه أو صغر، يبقى مرفوضاً لمن يملكون الرحمة في قلوبهم والحكمة في عقولهم والعقلانية في تفكيرهم. لذا أثر في نفسي كثيراً ما شاهدته على برامج التواصل الاجتماعي، حيث شاهدت مقطعاً مصوراً في الإمارات والفكرة مفادها أن القائمين عليها يريدون أن يدرسوا ردة فعل الابن والأب على حد سواء عندما يتصل الابن على والده ليقول له بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار أو ترتيب وبكل عفوية، «بابا.. أنا بحبك». مقطع يرتجف له القلب شغفاً لبساطته وما يحمل من معانٍ نفيسة لا تقدر بثمن، «معاني المحبة» والتي يجب أن تكون في طليعة مناهجنا الدراسية. «معاني الرحمة» والتي لا بد أن تكون نبراس حياتنا اليومية. «معاني الاحترام» والتي لا بد أن تكون فريضة علاقتنا الفردية والجماعية.المثير في الأمر والذي يمكن أن يستنتجه المشاهد ببساطة لهذا المقطع الأكثر من رائع، أن مشاعر الترقب لدى الأطفال كانت تحتل نصيب الأسد خلال اتصالهم بآبائهم.ولاتزال إحدى المكالمات عالقة في ذاكرتي عندما اتصل طفل وقال لوالده: «بابا.. بابا بحبك»، ورد الوالد: «من معي؟»، ليقول الولد: «بابا أنا عبدالله عم أتصل أقولك: أنا بحبك وايد». ليرد الوالد: «وأنا كمان يا عبدالله بحبك وايد».. تنتهي المكالمة وينفجر الولد بالبكاء من شدة الفرحة بردة فعل والده. وكأن الجواب لم يكن متوقعاً أو في الحسبان عند الطفل.الملفت أن الأطفال عقب مكالماتهم كانت ابتسامة الرضا والسعادة تعلو وجوههم مع الدموع التي لم تستحِ أن تظهر في أعينهم وتغمر وجوههم.وهناك مقطع آخر صور في أمريكا حيث يقول الأطفال فيه إن «أمهاتهم وآباءهم» سوف يكونون الشخص الحتمي لاختياره إذا خيروا لمشاركة شخص مميز وعزيز على قلوبهم ليتناولوا معه وجبة الغداء أو العشاء. في حين أن الأهل أنفسهم عندما وجه إليهم السؤال، «كان جوابهم أنهم سيختارون أحد مشاهير العصر الحالي لمشاركتهم وقتهم»!فماذا نستخلص من هذا كله؟ إنه كما علينا نحن الأبناء من واجب في برّ آبائنا وأمهاتنا ووالدينا، وأنه يجب إكرامهم واحترامهم وتوقيرهم وخفض جناح الذل لهم، فإننا أيضاً كأهل علينا عدم البخل بمشاركة مشاعر الحب والمودة بين أبنائنا بمختلف مراحلهم العمرية، ويوجد فارق شاسع بين ما أنفذه من أمر من باب الواجب والفرض أو من باب المودة والحب.فلا شك في أن «الحب الحقيقي» الذي نزرعه بين أبنائنا يعتبر البنية الأساسية لضمان مجتمع خالٍ من العنصرية والحزبية والممارسات العشوائية واللاإنسانية. فأينما حل الحب انتشر معه السلام.
Opinion
«بابا.. أنا بحبك»!
11 نوفمبر 2016