في كل عام تتكشف للمواطنين خطورة سلوك بعض موظفي الدولة الذين يجب أن يكونوا محل ثقة وأمانة ونزاهة عند كافة فئات المجتمع لكنهم مع الأسف ليسوا كذلك، وفي كل عام بعد أن يفجر تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية مجموعة كبيرة من الفضائح والفظائع التي يرتكبها أولئك اللصوص والمستهترون بالمال العام داخل مؤسسات الدولة عن عمد أو تقصير، نقول في سرائرنا المحبطة أن هذا العام هو العام الأخير الذي لا بد أنه ستتخذ الدولة فيه إجراءات صارمة وحازمة لمحاسبة كل موظف حكومي «بوَّاق» لا تردعه قيم الوطنية والمبادئ الأخلاقية ليكون عبرة لمن يعتبر، وإذا بالتقرير الأخير يصفعنا على «قفانا» فنكتشف أن مسلسل «الحرامية» والمستهترين بالمال العام مازال مستمراً ومازال أبطاله على قيد الحياة وأن كل تجاوزات الأعوام الماضية تتكرر في نسختها الجديدة!يكفينا أن تتكلم الأرقام المرعبة التي وردت في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخير عن الخوض في تفاصيله المخزية، فالتجاوزات التي تحصل في هذه المرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد ومدى صعوبة الوضع الاقتصادي عند عامة المواطنين وما تمر بها المملكة من ظروف اقتصادية قاهرة تعتبر تجاوزات مخزية وغير أخلاقية، فحين تهدر الملايين في غالبية مؤسسات الدولة على أوهام ومشاريع ومناقصات فاشلة وفاسدة في ظل ظروف اقتصادية حرجة، فهذا يدلل أن هناك أزمة «نزاهة» في مؤسساتنا الرسمية بشكل لافت للأنظار، وأن الفساد الذي طرحه تقرير ديوان الرقابة يؤكد لنا أنه وصل إلى «العمود الفقري» الذي تستند عليه الدولة في سيرها نحو التنمية، وأن محاسبة المقصرين الذين يهدرون المال العام في كل عام -حسب التقرير- بات أشبه بالخرافة، فالفساد مؤكد والمفسدون غير موجودين، وهذا الأمر من عجائب الدهر وغرائبه!سنسمع كما هو الحال في كل عام أن الحكومة لن تتهاون مع المقصرين والمفسدين الذين ورد ذكرهم بشكل مباشر وواضح في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، لنكتشف بعد ذلك أن هذه التطمينات هي من أجل امتصاص غضب الناس ووسائل الإعلام، وحين تهدأ عاصفة التقرير لن يدخل أحد السجن ولن يحاسب أي مقصر، بل سنجد أسماء هؤلاء المفسدين في تقرير العام القادم، وسيتكرر الشجب والاستنكار دون اتخاذ أي خطوات جدية للحيلولة دون تكرار الفساد!إن صمت الدولة أو الحكومة عن فضائح «الفساد الكبير» أو استنكارها الخجول بعد كل تقرير صاعق سيشجع المفسدين على فسادهم، بل سيكون صمت الجهات المعنية بمحاسبة المفسدين خطوة مشجعة لبقية الموظفين من أصحاب النفوس الضعيفة كي يسيروا على ما سار عليه أسلافهم، الذين شبعوا من السرقات وهدر المال العام خلال عقد من الزمن المرّ، ومن هنا فإما أن يتحول تقرير ديوان الرقابة إلى مقصلة تطيح بكبار المفسدين أو أن يكون مجرد حقنة تخديرٍ لمجتمع بات يدفع من جيبه كل شيء من أجل أن يسد عجز هدر طال خزانة الدولة بسبب حفنة من اللصوص والمستهترين بالمال العام، فهل من نهاية لهذه المهزلة الموسمية؟