همست الجدة في أذن حفيدتها العروس فقالت لها: «ابنتي هناك قائمة طويلة من أسرار النساء، تسرها الأمهات لبناتها وتلك القائمة ورثناها من أمهاتنا. هذه الأسرار تساعدك على أن تديري مملكتك الصغيرة «بيتك»، وتستقطبين زوجك لعشك الهادئ ليكون سكناً له وملاذاً، ثم سأعطيك قائمة أخرى من الأسرار لتعينك على أن تستقطبي أبناءك إلى عشك ومع أول حفيد لك ستتعاملين مع قائمة أخرى من الأسرار الجديدة لتعرفي كيف تكونين أيقونة العائلة، يلتف حولك جيلان من أبنائك وأحفادك، فعليك أن تتعلمي كيف تكونين ملاذاً لهم، يستشيرونك ويتعلمون منك ويستأنسون بحديثك حول زمنك الجميل ليكون زمنك هو زمن الأصالة والزمن الذي يعيش فيه أبناؤك هو الزمن المقلد، هذه هي سنة الحياة».وتابعت الجدة «أسرار النساء يا صغيرتي تعين الأم على أن تجمع أفراد أسرتها في عش واحد مترابطين متماسكين ويسمونها المختصون في علم النفس والتربية ترابطاً أسرياً. فالترابط الأسري فن تتقنه الأمهات وأول سر أفشيه لك هي نصيحة متوارثة منذ أجيال وتناقلتها النساء في غالبية الشعوب». وأضافت الجدة «أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته، تمسكي بكل أفراد أسرتك حول طاولة الطعام، إن طاولة الطعام هي ساحتك لكسب قلوب أفراد أسرتك، فعندما تلتقون حولها سيكن لك الجميع العرفان والفضل على المجهود الشاق الذي بذلتيه كي يتلذذوا بما طبختِ لهم مما لذ وطاب». ضحكت العروس وقالت: «نلتقي على طاولة الطعام في المطاعم، فتلك النصيحة المتوارثة لا بقاء لها في عصر انتشار المطاعم وتفننها في أنواع الأطباق والمأكولات العالمية، بل وحتى الأطباق الصحية المعدة على يد أخصائيي التغذية باتت منتشرة وتصل إلى مكان عملنا أو منزلنا دون عناء، بل إن كوب القهوة والشاي لا نشربه إلا من يد أمهر الطهاة. ولم تكتفِ المطاعم بالتفنن بالأطباق وطرق تقديمها، وطرق توصيلها بل أبدعت وابتكرت في تهيئة الجلسات المريحة والجميلة التي تشجعنا على طول الجلوس».وأطرقت العروس برأسها قائلة: «جدتي لم يعد المطبخ مملكتي كما كان بالنسبة لك، ولم يعد ورشة نبتكر فيها ما لذ وطاب من الأطعمة لتسعدي جدي وأبناءك. ولن يكون في بيتي طاولة طعام تجمع أفراد أسرتي بشكل يومي، ويكون عليها موعدنا ولقاؤنا ونطرح على سطحها أحاديثنا المشتركة وهمومنا ونتبادل الأخبار. سنجتمع على طاولة المطاعم ربما ولكن لن أسمع من أفراد أسرتي إطراءات حول ما طبخت، بل سنفاضل بين هذا المطعم وذاك، لن أعيش ذاك التحدي الذي عشتيه، نجري طبخ الطبق الواحد عدة مرات ليتكون هذا الطبق ويرضي ذوق زوجك أو أحد أبنائك، لم يعد الطعام هدفاً لي في أسرتي». أطرقت الجدة رأسها أمام العروس طويلاً ثم قالت «أن أجمع الجميع على طاولة الطعام وأعد الطعام للضيف بيدي ليست غايتي، غايتي هي جمع شمل أسرتي يومياً ليتبادلوا الحديث ويتبادلوا رسائل الحب، والأطباق التي أعدها بيدي التي لا تفوق أمهر الطباخين فناً لكنها تفوقهم، لأنها تحمل رسالة حب وحنان لكل فرد من أسرتي فأودع هذه الرسالة في كل طبق بفن واحترافية، حتى كوب القهوة والشاي أمزجه بمشاعر الحب ليسري الحب في عروقهم لينتشوا به. ألم تسمعي مارسيل خليفة عندما تغنى بقهوة أمه؟ لا أظنها أمهر من الطباخين، بل تعلمي كيف توصلين رسائل الحب والحنان لأسرتك في كل طبق تطهينه، على طاولة الطعام، في عطر بيتك وأناقته وفي كل زاوية من زواياه، في صوتك وكلماتك. لتكوني نبع الحب والحنان فيلتفون حولك».وهنا قالت العروس: «جدتي كيف أوصل رسائل الحب والحنان في طبق طعام أو أضعه على طاولة يجتمع عليها أفراد أسرتي؟». هنا أدركت الجدة أن قائمة أسرار الأمهات سلمت لحفيدتها العروس متأخرة فصنعة لم الشمل ومهارة زراعة الحب يجب أن تتعلمها البنات مبكراً.قالت الجدة: «ابنتي قد نكون أنا وأمك تأخرنا في تسليمك قائمة الأسرار ولم ندربك على تطبيقها مبكراً، لكن عليك أن تستمعي كما استمعت إلى أمك، كي لا يسحب البساط من تحت قدميك ولن تكوني أبداً ملكة في بيتك. فتعلمي كيف تنشرين دفء الأسرة وتحتوينها بذراعيك».ختاماً، لكل أم مهما كانت الأطعمة لذيذة في الخارج، فالمكونات مجهولة المصدر ولن يغلفها الحنان والحب على أسرتك ولن تختفي أصالتنا مهما استوحشت حياتنا فعليكم بالرجوع إلى أصلكم وعاداتكم. فلمُّ شمل الأسرة صفة أصيلة في مجتمعنا وما مستجدات المجتمع ومتغيراته إلا أمر دخيل علينا. لهف نفسي على عروستي سيسحب البساط من تحت قدميها قبل أن تطأه وتخسر مملكتها.