فور الإعلان عن فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية أدخلت إيران نفسها في حالة استنفار بغية الترويج إلى أن فوزه لم يكن متوقعاً ولم يكن أمنية، ويعني أن أموراً كثيرة ربطت إيران بالولايات المتحدة في زمن باراك أوباما يمكن أن تتأثر وتتضرر منها حكومة الملالي. وفيما بدا وكأنه ردة فعل بعد الإعلان عن فوز ترامب أعرب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن خشيته على الاتفاق النووي! وقال إنه «يجب أن تلتزم أمريكا بتعهداتها»، وهو ما ردده أيضاً الرئيس الإيراني حسن روحاني وغيره من المسؤولين الإيرانيين. وفي محاولة واضحة لاستغلال المناسبة في تبرئة إيران مما يحدث في المنطقة قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية يوم فوز ترامب «عدم الاستقرار في المنطقة يستدعي من أمريكا إعادة نظر جادة بسياستها الخارجية».طبعاً ليس صحيحاً بالمرة أن الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة سيتأثر أو سيجمد أو ستتراجع الولايات المتحدة عنه لأن هذه تبحث أيضاً عن مصلحتها والأكيد أن لها -وليس لأوباما أو الحزب الديمقراطي الأمريكي- مصلحة في ذلك الاتفاق الذي يتضمن صفحات سرية منقوشة فيها الفوائد التي تعود على كلا الطرفين، ولا يعرف عنها شيئاً سوى الطرفين. تغير الرئيس في أمريكا لا يعني إلغاء الاتفاقات بينها وبين إيران فأمريكا في النهاية تبحث عن مصلحتها وهي دولة مؤسسات، ولأمريكا مصلحة غير عادية في ذلك الاتفاق مثلما أن لإيران مصلحة غير عادية فيه. هناك أمر آخر يعين إيران على الشعور بالاطمئنان، فالاتفاق بينها وبين الولايات المتحدة ما كان يمكن أن يتم لولا رغبة وموافقة الكيان الصهيوني الذي يتحكم في الانتخابات الأمريكية ويوصل إلى سدة الرئاسة من يريد له أن يصل فقط. هذا يعني أن احتمال تراجع الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي ضعيف جداً بل معدوم، فما صنع على عين إسرائيل ورضيت عنه لا يتغير بتغير الرئيس الأمريكي الذي هو الآخر صنع على عينها وراضية عنه. من تابع تصريحات ترامب فترة الترويج لنفسه يسهل عليه تبين أنه سيعتمد كثيراً على إيران في تنفيذ كل ما يريد تنفيذه في المنطقة، فهما يشتركان في كراهيتهما للعرب، ويشتركان في أماني السيطرة على كامل المنطقة والتحكم فيها، والأكيد أن ترامب سيستفيد من إيران كثيراً في هذا الخصوص، وهذا يعني أنه لن يقبل على أي خطوة تتضرر منها إيران التي ستتحول بشكل عملي إلى شريك يتكامل مع الولايات المتحدة ويعود كما كان شرطي الخليج. كل ما ستقوله إيران في هذه الفترة عن ترامب وعن تخوفها من تراجع الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي ليس إلا محاولة للضحك على الذقون، فإيران متأكدة تماماً بأن أمراً كهذا لن يحدث لأنه لا يمكن أن يحدث بسبب تلك البنود السرية وبسبب أنها تعرف جيداً كيف «تدبر نفسها»، ولا يستبعد أبداً أن مسؤولين إيرانيين قابلوا ترامب فترة ترشحه سراً واتفقوا على ما يدعمه ويحقق أمانيها، بل لعلها ساهمت في دعمه حتى بالمال، فقد كان واضحاً أن إيران لا تريد هيلاري كلينتون التي تعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجي تريدها وتدعمها. مخاوف إيران من فوز كلينتون كانت أكبر بل إنها لم تكن تخاف من فوز ترامب لأنها كانت تريده أن يفوز ولعلها كانت تدعمه. لهذا فإن التمثيلية الجديدة التي بدأت بتصريحات على لسان وزير الخارجية الإيراني والمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية وتصريحات روحاني وغيرهم من المسؤولين الإيرانيين لا يمكن أن تنطلي على العارفين بطبيعة إيران البراغماتية، فكل ما صرحوا به وسيصرحون به ليس إلا للاستهلاك المحلي، ذلك أن فوائد إيران من فوز ترامب كبيرة.