استكمالاً لمقال الأمس، المعني بالتقرير الجديد رقم 13 لديوان الرقابة المالية والإدارية، نقول اليوم إن النواب هم أحد أسباب الفساد الإداري والمالي، وهم يتحملون مسؤولية كبيرة لتضخم حجم التقرير وزيادة الهدر في أموال الدولة، وزيادة في عمليات الإخلال الإداري. لماذا نقول إن النواب سبب؟! الكل يعرف لماذا، والنواب أنفسهم يعلمون ذلك جيداً.اليوم أنا كمواطن، وحتى كصحافة، ليس من مسؤوليتي أن «أحارب» الفساد الإداري والمالي لأنني أصلاً لا أملك صلاحية القيام بذلك. نعم أمارس دوري كسلطة رابعة كرقابة وبيان للأخطاء، لكن إلى هنا يقف دوري، إذ الدور الأساسي يتمثل فيمن يملك صلاحيات المراقبة والمساءلة وتوجيه الأسئلة والاستجواب ويملك سلاح طرح الثقة، والذي من خلال هذا السلاح يمكنه حتى إسقاط أهلية كبار المسؤولين في الدولة جراء أخطائهم والمطالبة باستبدالهم. النواب هم المعنيون كسلطة تشريعية ورقابية بمحاسبة المخالفين والمتجاوزين والقطاعات التي عليها ملاحظات جسيمة، المذكورين في تقرير ديوان الرقابة المالية، وهنا لاحظوا بأننا لسنا نتحدث عن التقرير الأخير فقط، بل نتحدث عن 13 تقريراً، التهاون النيابي الواضح في التقرير الأول قبل 13 عاماً هو كان «الأساس» الذي بنيت عليه التراكمات وأوصلتنا لما نحن عليه اليوم، كل تقرير يصدر يفوق سابقه من ناحية الحجم ومن ناحية المخالفات، نعم هناك عمليات تصحيح ومحاسبة «بعض» منها يعلن للناس، لكنها كلها عمليات تقوم بها الحكومة لا النواب. أنا كمواطن لست معنياً بما تقوم به الحكومة هنا، مع احترامي للحكومة، إذ بوصلتي يجب أن تتجه أولاً لمن يفترض به أن يمثلني، لمن وعدني بأنه سيحافظ على أموال الدولة، ولمن وعدني بأنه سيراقب الأخطاء وسيصححها وسيحاسب المتجاوزين. بالتالي حينما يطل علي نائب أو جمهوره ليقول، لماذا لا تخاطبون الحكومة؟ يكون ردنا بأننا نخاطب الحكومة في هذا الجانب، رغم أنه من المفترض أن نخاطب نوابنا الذين يمثلون صوتنا، النواب الذين يجب أن نقسو عليهم بسبب استهتارهم في المحاسبة، ونعم أقول استهتار، لأن من سيرد علي يجب أن يريني الأرقام والحالات والشواهد التي يملكها مجلس النواب بشأن الإجراءات التي اتخذها بحق المتجاوزين، بمعنى أبسط، أرونا حالة واحدة استجوبتم فيها وزيراً على خلفية مخالفات التقرير، أرونا وزيراً واحداً طرحتم الثقة فيه لأن قطاعه «زبون دائم» في التقرير بشكل سنوي، والهدر المالي والتجاوزات الإدارية تزيد ولا تنقص. «المال السايب يعلم السرقة»، وهنا لسنا نقول إن أمامنا سرقات، لكن نقول إن أمامنا هدراً مالياً واضحاً، وسوء إدارة مالية في بعض القطاعات، واستهتاراً إدارياً صريحاً، ولأننا منذ التقرير الأول رأينا مجلس نوابنا «مسالماً» مع المتجاوزين، فإن الوضع الحالي الذي نرى فيه التقرير على ما هو عليه، هو وضع طبيعي لغياب المحاسبة. «من أمن العقوبة أساء الأدب»، ومن ترك ليسرح ويمرح في القطاع المفترض أن يكون أميناً عليه، دون مساءلة أو محاسبة، توقعوا منه أن يتصرف كما يكون في بيته، بالتالي هل ستلومونه على تصرفاته الخاطئة؟! أنتم أصلاً تعاملكم مع التقرير خاطئ. والله قبل سنوات كان مشهداً فيه «إساءة» للمواطن البحريني، أو بالأصح «الناخب» الذي منح النواب صوته وثقته، حينما ضاع الناس في مساجلات بين النواب والحكومة وديوان الرقابة حول من يفترض به «تحويل القضايا للنيابة العامة»؟! النواب يقولون على ديوان الرقابة القيام بذلك، والديوان رد بناء على لوائحه التي لا تمنحه صلاحية فعل ذلك، ودخلنا في جدلية ضاعت فيها «حماسة» التعامل مع التقرير، لينضم مع إخوانه السابقين على الرفوف ويعلوه الغبار. بالتالي أنا متمسك برأيي والذي يفترض أن يكون موقف كثير من الناس، إذ في شأن تجاوزات تقرير ديوان الرقابة لن ألوم الحكومة، فهي تتخذ إجراءات إدارية من المطلوب أن تعلن عنها جميعاً لا أن تتحدث بصورة عامة مثلما شاهدنا في السابق، وقامت بها لدواع إنسانية، ولن ألوم القطاعات الحكومية إن تجاوزت، بل سألوم السلطة الرقابية التي تمتلك صلاحية طرح الثقة في الوزراء واستجوابهم، أنتم ساكتون عما يحصل، لو كنتم تتمثلون بموقف رجل واحد، أربعون عضواً بصوت وموقف رجل واحد، لحاسبتم المتجاوزين، ولطرحتم الثقة على أقلها في وزير، ولأسستم لعرف حميد، فيه يرى المستهترون أن هناك سلطة ستحاسبهم وستفضح أخطاءهم على الملأ. سكوتكم، ولا أعني به تصريحات العلاقات العامة في وسائل الإعلام بشأن التقرير، بل أعني به سكوتكم على أن تمضي التجاوزات دون محاسبة، وقبولكم بأن تهدر ملايين وتتحول قطاعات ليتحكم فيها أفراد بلا أسس إدارية صحيحة ويظلم فيها بشر، سكوتكم هو السبب لما وصلنا إليه أو بالأحرى لما وصل إليه التقرير من «تخمة» غير مسبوقة. رجاء لمن سيسل سيوفه على كاتب هذه السطور من النواب، أقسم بأنني سأقبل ذلك، بشرط أن تثبتوا لي أولاً أنكم بالفعل «أقوياء»، لا على الناس، بل على المسؤولين، اطرحوا الثقة في وزير واحد تضخمت تجاوزاته في قطاعه، بعدها يكون لنا حديث. أما البقاء على هذا الحال، فاسمحوا لي، أنتم سبب من أسباب زيادة الفساد الإداري والمالي.