قبل عدة أيام صدر تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، الذي شكل تحدياً خطيراً في وجهة التنمية لما حمله في طياته من مخالفات وتجاوزات تكررت في تقارير سابقة. لسنا بموقع تصنيف تلك المخالفات أو الإشارة إلى الوزارات، ولكن ما يعنينا هو مدى الضرر الذي لحق بالشأن العام ومصالح المواطنين، لعدم الالتزام باللوائح والقوانين، وما حمل من تجاوزات ترقى إلى صفة الفساد، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على سيادة القانون والتوزيع العادل للخدمات، ويدمر النزاهة في الأداء الوظيفي لتكرارها، والإخفاق المتكرر في متابعة استرداد الأموال والعائدات الناتجة من التجاوزات بالجهات المعنية. حقيقة يجب إدراكها يُعد ما ورد في تقرير ديوان الرقابة من تجاوزات تصل لمرتبة الفساد تقويضاً للتنمية الاقتصادية وتشويهاً للعمل الإداري والمالي الحكومي ويؤدي إلى معدلات عجز ضخمة. وتكرار هذه المخالفات في تقارير سابقة يوحي بعدم اكتراث المؤسسات الرسمية بالتقارير السابقة وإن جاءت بيانات الوزارات بوعود الإصلاح والتعديل.كما يمثل سحب الأموال دون رقابة، وغض النظر عن تحصيل إيجارات مستحقة تجاوزت المليون لمستأجر واحد، ودفع رواتب لموظفين لا يعملون، وتشكيل هيئة معنية بتنظيم سوق دون خطة، ولا معهد تدريب ولا هيكل، وإعفاء حسابات أنشطة تجارية من الرسوم لمدة تزيد على 25 عاماً، وعدم تحصيل المستحقات من الإعلانات التجارية، وانتقائية وغلو تسعير أراضي للاستملاك للنفع العام، جرائم فساد ليس من المفترض وجودها في ظل هذا الكم من التشريعات الضابطة للعمل المؤسسي، الأمر الذي أدى إلى تشوه اقتصاد القطاع العام وقوض جهود الدولة، وأسس لحيل التعقيدات الفنية للمشاريع ومهد الطرق للتعاملات غير المشروعة، ما يؤدي بالتالي إلى خفض معدلات الالتزام بضوابط البناء والمحافظة على البيئة والضوابط الأخرى، وإلى تردي نوعية الخدمات الحكومية وزيادة الضغوط على الميزانية إن لم يتم التعامل مع الأمر بحزم والأخذ على يد المتسببين. الفساد والابتزاز السياسيليس من الضروري أن يتمثل الفساد في الرشوة فقط، ولكنه يطال عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين، هذا بجانب عدم اتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد ينطوي على فساد، أو أنه أبرم ويجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الأنظمة واللوائح النافذة. أما الابتزاز السياسي فليس من الضروري أن يكون بالمحاصصة السياسية فقط، بل يطال السكوت على الفساد الإداري والمالي لأسباب حزبية أو طائفية أو مناطقية أو قبلية. إلى من يهمه الأمرإننا بحاجة للخلافات أحياناً، ليس من منطلق العداء ولكن لمعرفة مخرجات من كلفتهم بعمل، فقد تجد ما يجعلك في ذهول، وقد تجد من تنحني له احتراماً. السادة السلطة التنفيذية: ليس من الحكمة توصيف التلاعب بالعقود والتحايل على القانون وغض النظر عن تحصيل أموال الدولة بأنها هدر للأموال العامة، لا يا سادة إنها سرقة في وضح النهار، ولنسمي الأشياء بمسمياتها، كي «نسمو» بذلك الشعار الموضوع على الموقع الإلكتروني لـ«البلديات» التي كان لها نصيب الأسد من التجاوزات في تقرير ديوان الرقابة! السادة النواب: لسنا في وقت المزايدات والمناكفات، التقرير أمامكم وفيه أن بعض المخالفات وهدر المال العام وصلت لمرتبة الفساد. من صلاحياتكم الاستجواب وطرح الثقة في الوزير الذي تكررت مخالفات وزارته وارتقت للفساد، إذا ما اردتم تحقيق ذلك، ابتعدوا عن التصريحات الرنانة ووحدوا جهودكم وعند التصويت لاتخاذ قراراتكم تجنبوا السفر أو الخروج لدورات المياه!ملاحظة: رغم جهود الدولة بوضع الأنظمة واللوائح الناظمة للعمل المؤسسي لا تزال بعض الوزارات والهيئات تعمل خارج هذا النطاق، مما يؤشر بأن هناك خللاً باختيار الكوادر البشرية.