حينما تحركت الحكومة باتجاه التعامل الفعلي مع تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، كان ذلك فور تولي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد حفظه الله منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، يومها رأينا في بوعيسى رغبة قوية في تصحيح كثير من المسارات، وكان ملف التجاوزات الإدارية والمالية أبرزها.أعقب ذلك، إجراءات جادة للتعامل مع عدد من المخالفات التي وردت في التقرير ودخلت في خانة الحالات ذات الشبهة الجنائية، ونشرت أخبار معنية بها، وتم الإعلان عن هذه الحالات.كان حينها اتخاذ هذه الخطوات وبصورة واضحة، متزامناً مع اجتماعات مع الصحافة وكتاب الرأي لإطلاعهم على سير العملية، وعلى الإجراءات المتخذة وفق ما تقتضيه القوانين ودرجات التقاضي، يمثل خطوة هامة في إطار التفاعل الحكومي المباشر، ومن النائب الأول مع التقرير، وهو أمر كنا نطلبه وننشده، باعتبار أن الحكومة لها دور هام في عملية التعامل مع تجاوزات التقرير، وليس فقط مجلس النواب، الذي أضاع عدد كبير من أعضائه بوصلة التعامل الصحيح مع تقرير ذاك العام مثلما أضاعوا البوصلة مع تقارير عديدة سابقة.ملاحظتنا كانت تتمثل في أن الشارع البحريني يحتاج لعملية إيضاح أكبر، ويحتاج لمعلومات أكثر، تبين له أن هناك بالفعل تحركاً جاداً في عملية المحاسبة، وأنه لا توجد عملية تطاول على المال العام يتم السكوت عنها.على المواطن أن يدرك بأن الحكومة بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان، وبمساندة الأمير سلمان بن حمد حفظهما الله، لن تقبل بأي حال من الأحوال أن يكون هناك تطاول على المال العام، فهي – أي الحكومة – واضحة تماماً في هذا الشأن، التعامل وفق القانون مع كل ما يدخل في إطار الشبهة الجنائية دون تردد، وعليه كانت هناك إحالة عدد من القضايا الداخلة في هذا الإطار، إلى جانب التعامل مع التجاوزات الإدارية والعمليات المعنية بسوء إدارة المال العام، وهي كثيرة.بالأمس أكد الأمير سلمان بن حمد النائب الأول لدى استلامه نسخة تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، أن الحكومة ستتعامل بشكل «فوري» مع التقرير بناء على تكليفها بذلك من قبل سمو رئيس الوزراء، ووجه سمو ولي العهد بالتالي لإجراء تحقيقات فورية للحالات التي تحمل شبهة جنائية لتحويلها مباشرة إلى النيابة العامة والسلطة القضائية ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالها.هذا التوجيه يبين لنا مستوى الجدية، وأن أي تصرفات تدخل في إطار الجريمة المالية وحتى الإدارية ستكون لها محاسبة فورية من قبل الحكومة، وهو ما فعلته سابقاً بقيادة الأمير سلمان من خلال التعامل مع التقرير.كثير من الناس لا يعلمون بذلك، لأن مثل هذه القضايا لا تنشر تفاصيل كثيرة عنها، فبالتالي يتولد الظن بأن المحاسبة غائبة، لكن هذا ليس بصحيح، ولعل ما قام به تلفزيون البحرين مؤخراً من خلال القيام بمقارنة رقمية بعدد الحالات الجنائية يبين أن هناك انخفاضاً فيها مع وجود تعامل حكومي جاد معها.ما يخلق رد الفعل القوي لدى الناس هي المخالفات حينما تنشر بأرقامها في الصحافة، ويتم تداولها في وسائل الإعلام، بالأخص المخالفات الإدارية المرفوضة لدى عموم الناس بحالاتها غير السليمة، أو أرقام الهدر المالي المرفوض حصولها في وقت يفترض أن نحرص فيه بشدة على المال العام.يحسب للأمير سلمان إلمامه بالموضوع في جوانبه المتعددة، فإجراءات الحكومة فيما يتعلق بالقضايا ذات الشبهة الجنائية أمر واضح، لكنه لم يغفل الأمور الأخرى التي تتفوق في العدد والتكرار، والتي نعني بها القضايا ذات الطابع غير الجنائي، لكنها قضايا تدخل في حالات الهدر المالي والفساد الإداري، وهنا جاء التوجيه لإجراء التحقيقات في الحالات المتطلبة لتحقيقات داخلية لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، والهدف كما أوضح سمو ولي العهد النائب الأول لـ»معالجة الأخطاء والملاحظات وتصويبها على الفور».هاهي الحكومة تمضي للكشف عن خطط تعاملها مع التقرير، ابتداء من سمو رئيس الوزراء وتكليفه مجلس الوزراء ببدء التعامل الفوري، وصولاً لتوجيهات النائب الأول الواضحة في كيفية التعامل الجدي معها.تبقى الآن مسألتنا، الأولى مهمة بالنسبة لنا كمواطنين ومراقبين، تتمثل بأن نرى نتائج التحرك الحكومي في هذا الجانب، عبر نشر تفاصيل ومعلومات تجعل الناس يطمئنون إلى أن المخالفات يتم التصدي لها بكافة الإجراءات والسبل القانونية والإدارية على الصعيد الداخلي.أما المسألة الثانية، وهي أقل أهمية، مع احترامنا الشديد، وهنا أعني تحرك النواب، إذ حتى الآن «ضجتهم» الإعلامية ليست بنفس سابقاتها في الأعوام الماضية، بالتالي التعويل على تحركهم بشكل جاد للتعامل مع تجاوزات التقرير، لا أظن بأنه تعويل واقعي.وللأسف بعدها «يزعل» كثير من النواب حينما نقول لهم بأن «الحكومة جادة أكثر منكم، بل متفوقة عليكم بمراحل»!
Opinion
سلمان بن حمد.. وتقرير ديوان الرقابة
16 نوفمبر 2016