«التسامح الذي يحتفل به العالم وتحتفي به البحرين جزء أصيل من ثقافة أهل البحرين»، بهذه العبارة لخص حضرة صاحب الجلالة، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، موضوع الرسالة التي وجهها جلالته بمناسبة اليوم العالمي للتسامح، ذلك أنه لولا أن التسامح جزء من ثقافة أهل البحرين لما تمكنت كل القيم الإيجابية من الثبات والوقوف في وجه محاولات الفتنة ومحاولات التقليل من شأن البحرين في زمن سيطرت فيه على البعض قيم سالبة لا يستطيع أصحابها العيش في وجود قيم نبيلة كالتسامح والانفتاح والمحبة والتعايش التي قال عنها صاحب الجلالة إنها «لم تكن يوماً بعيدة عن هوية هذا الشعب بمختلف مكوناته الفريدة»، وإن «من يجول في البحرين ويشاهد مكتسباتها الحضارية سيدرك حتماً أنها لم تبن إلا بقيم أصيلة صارت سمة من سماتها المميزة». من عاش في العاصمة المنامة في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات على وجه الخصوص لابد أنه لمس بكل حواسه كيف هو التسامح والتعايش بين أتباع كل الأديان والمذاهب والأعراق، ففي المنامة جاورت الكنيسة والكنيس والمعبد الهندوسي المساجد والمآتم، وجاور الجميع الجميع، وعاشوا معاً في حب ووئام، ولم يسمع يوماً عن مشكلات حدثت بين كل هؤلاء أو بعضهم.في كنيسة القلب المقدس الكاثوليكية كانت تقام الصلوات في يوم الأحد من كل أسبوع وكان المسيحيون يتواجدون بكثرة، لكن أحداً لم يكن يضايقهم ولا حتى بكلمة، والأمر نفسه بالنسبة لليهود الذين تعامل معهم الجميع في أسواق البحرين بشكل خاص من دون حساسية، وكذلك الهندوس الذين كانوا يمارسون حياتهم آمنين. وفي المقابل لم يحدث أن مارس هؤلاء أي سلوك يضايق المسلمين على اختلاف مذاهبهم. في المنامة، وخصوصاً في تلك السنين، وفر الناس جميعاً مثالاً للتعايش والمحبة، وفيها وفي كل المدن والقرى وفرت الدولة أمثلة لكل ذلك وأكدت إيمانها بهذه القيم أنها تستحق أن تكون مثالاً يقتدى، حيث ظلت البحرين على مدى السنين الطويلة واحة للسلام، وجاء صاحب الجلالة الملك المفدى ليؤكد منذ تسلمه أمانة الحكم أن البحرين ستظل على هذه الصورة وستستمر في توفير مثال التعايش للعالم أجمع. «منذ أن حملنا أمانة الحكم أخذنا على عاتقنا مسؤولية أورثها لنا أجدادنا من حكام آل خليفة الكرام، وهي «مسؤولية الحفاظ على تنوع مجتمع البحرين المنفتح»، و»تعزيز قيم قبول الآخر» و»احترام التعدد والاختلاف»، حتى باتت هذه القيم «مكفولة في دستورنا وقوانيننا الوطنية»»، هكذا قال وأكد صاحب الجلالة أهمية موضوع وقيم التسامح وكيف أنه تم توارثها كابراً عن كابر. ليس هذا فحسب بل إن صاحب الجلالة أكد في كلمته أن هذا النهج لن يتغير، فقال «وإننا إذ نعقد العزم على اتخاذ كل التدابير الإيجابية اللازمة لتعزيز التسامح»، شارحاً جلالته أن «التسامح ليس مبدأً يعتز به فحسب، فهو نابع من تقاليدنا ومبادئ ديننا الإسلامي الحنيف ولكنه أيضاً ينطلق من الإيمان بأنه ضرورة للسلام وللتقدم الاقتصادي والاجتماعي لكل الشعوب في العالم». موضوع التسامح إذن هو كما لخصه صاحب الجلالة فقال إنه «جزء أصيل من ثقافة أهل البحرين»، ولهذا لا يمكن أن يتأثر بأي محاولة من أي طرف، ذلك أنه عندما تتحول القيم إلى ثقافة مجتمع فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتأثر بأي دعوات سالبة وبأي محاولات مهما كان عداء من يقوم بها لهذه الثقافة كبيراً. ستظل البحرين واحة للتسامح ولكل القيم الموجبة وسيستمر العالم في اعتبارها مثالاً يحتذى ونموذجاً يستحق الكثير من الاهتمام من الباحثين والدارسين الذين سيدهشون دونما شك عندما يوغلون في التفاصيل.