مسكين أيها الراتب، توأد «تموت» بمجرد أن نستلمك، وتشخيص سبب الوفاة هو سوء التخطيط لميزانية الأسرة، ويكون «لحدك» هو المصروفات والفواتير، فمنذ أن نستلم الراتب نبدأ في توزيعه على مصروفات ثابتة، أكل وشرب وكهرباء وإيجارات وأقساط ووقود سيارات ثم مصروفات يميناً ويساراً، لتجد أن الراتب قد صرف دون أن نوفر منه قسطاً للمستقبل، ونرى أن الجميع يشكو من أن الراتب يصرف قبل نهاية الشهر، سواء أصحاب الرواتب الضعيفة، أو حتى أصحاب الرواتب المتوسطة، ناهيك عن ذوي الدخل المحدود. أعتقد أن المشكلة تكمن في جانبين رئيسيين، أولهما، ثقافة المجتمع التي ألقت أعباء كبيرة على ميزانية الأسرة، منها بند هدايا المناسبات الاجتماعية، كهدايا الزواج والولادة، والسكن في المنزل الجديد، بل ظهرت مناسبات اجتماعية جديدة مثل أعياد الميلاد للكبار، بعد ما كانت تكتفي بعيد ميلاد واحد لكل طفل، وبند هدايا التخرج من جميع المراحل الدراسية، بل وهدايا الترقيات في العمل، بالإضافة إلى أن على كل صاحب مناسبة عليه شراء كعكة بهذه المناسبة، بمبلغ وقدره، وغيرها من مصروفات الاحتفالات الاجتماعية التي لا تشكل ضرورة إنما تدخل في بند «لابد أن نظهر بمظهر اجتماعي لائق»، هذا علاوة على بند مشتريات الماركات من حقائب وملابس وأحذية بأسعار خيالية، ولا توفر الأسرة هذه الأشياء لسد الحاجة، بل للحفاظ على المظهر الاجتماعي اللائق، لاسيما في عصر التواصل الاجتماعي، الذي تعرض فيه أفراد الأسرة جميع صور مشترياتها على شبكة التواصل الاجتماعي من خلال بند «التباهي»، وأضف إلى ذلك بند الإجازات، فكل إجازة رسمية إذا زادت عن يومين على الأسرة أن تقضي هذه الإجازة خارج البحرين، حتى أنك ترى المطار والجسر يعج بالمسافرين، كل هذه أعباء على ميزانية الأسرة. فإذا وضعت الأسرة كشفاً بالمصروفات بدقة لوجدنا أن غالبية مصروفات الأسر تكون على الكماليات، ونجدها تفوق المصروفات الأساسية مع غياب تام لبند التوفير.ما الحل؟ علينا أن نبحث عن مصلح اجتماعي يقوم بثورة على تلك العادات الاجتماعية الدخيلة على مجتمعنا، والتي لا تهدف إلا للتباهي، فتلك العادات فقدت رسائل اجتماعية مهمة، فقد كان الهدف من تبادل الهدايا في المناسبات الاجتماعية هي مساعدة ودعم صاحب المناسبة، أما اليوم فغالبية الهدايا لا يستفيد منها صاحب المناسبة، فقد كنا نقضي الإجازات في برامج ترفيهية مشتركة مع الجيران والأهل والأقارب، أو القيام ببعض المهام الأسرية التي لا يتسع الوقت لنا لأدائها أثناء أيام العمل، لقد غابت ثقافة التوفير من حياتنا والتي كان يحرص الأجداد على تعليمها للأبناء لمواجهة الظروف الطارئة، وأذكر هنا حكاية كثيراً ما رويت للأطفال لينشئوا عليها، وهي قصة النحلة التي تعمل في فصل الصيف لتوفر الطعام لأيام الشتاء الصعبة، والصرصور الذي أمضى وقت الصيف في لهو ولم يجمع الطعام للأيام الصعبة.وثانيهما، غياب ثقافة تخطيط الميزانية للأسرة فعلينا أن نتدرب على وضع ميزانية للأسرة والأهم أن نعود أنفسنا وأسرتنا على الالتزام ببنود ميزانية الأسرة بعقلانية. وفي تقديري، أن الأمر صعب التنفيذ، فالجميع ينتظر من يتجرأ ليغير هذه السلوكيات الاجتماعية وأرى أن خير من يفعل ذلك نشطاء التواصل الاجتماعي فهم أقدر على بث مثل هذه الرسائل الاجتماعية وسيكون لهم الأثر الكبير في التغيير، من هنا أوجه الدعوة لهم وأقول بأياديكم إنقاذ ميزانية الأسر.وختاماً، تعتبر ميزانية الأسرة المرشد الرئيسي ومصدر الإلهام لجدولة المصروفات التي تنفقها الأسرة بشكل عام خلال فترة محددة قد تكون لأسبوع أو شهر أو حتى سنة فهي تسجل بدقة ضمن بنودها الإيرادات والمصروفات التي توضح مجمل الدخل العام للأسرة، وتمنع الوقوع في مشاكل مالية خلال الفترة التي حددت فيها الميزانية، فلابد من التخطيط للنفقات المختلفة وعزل مبلغ للتوفير لمواجهة تحدي الزمن.
Opinion
وأد الراتب..
19 نوفمبر 2016