عندما تفتح العرافة كف أحدهم وتجد من الطلاسم ما لا تستطيع قراءته أو تجده صفحة بيضاء، تعرف أنه يحفظ شيئاً من القرآن، ربما سورة البقرة أو آل عمران، وكذلك نحن اليوم.. أمام رجل لا نستطيع قراءته حتى الآن، فالمحللون السياسيون الذين يستشرفون حكم «ترامب» لا يستطيعون الحكم عليه حتى اللحظة لأنه لم تمضِ المئة يوم الأولى من حكمه بل حتى أنه لم يستلم الرئاسة بعد، وعليه فإن كل تحليل نقدمه لرجل يجهله الأمريكان كما نجهله نحن إنما هو ضرب من الخيال، ولا يعدو على كونه محاولة من محاولات العرافات لاستشراف المستقبل والتنبؤ به، ومن ذلك ما ذكر كثير من المحللين، حول تناقضات العلاقة «الترامبية» المقبلة مع إيران!!لعلنا نذكر موقف ترامب المتشدد والمعارض إزاء الاتفاق النووي الإيراني، وكيف تعهد بتمزيقه منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة، ولكن ما دواعي ذلك، وما العداء المكبوت داخل ترامب تجاه إيران؟ ولكن الوقوف بنظرة فاحصة على هذا الموقف لا يشي بثمة عداء يكنه ترامب للإيرانيين وإنما طموح اقتصادي عالٍ لما تتمتع به إيران من مغريات، وهو ما يجعل الحكم «الترامبي» على مصير العلاقة مع إيران متوقفاً على فتح الأسواق الإيرانية للاستثمار الأمريكي، وهو موقف موغل في الرأسمالية التي سيتخذ منها «ترامب» منهجاً لحكمه - كما يبدو - ما يدعو لاستخدام الاتفاق ورقة ضغط على إيران. وربما سيكون مصير الخليج العربي في جوانب عدة رهناً بحسم تلك الجدلية في العلاقات المقبلة بين أمريكا وإيران، لاسيما وأن ترامب - كما ذكرت «واشنطن بوست» - مقبل على الدفع لتحالف خليجي تركي ضد إيران، ولا شك في أن ذلك قد يتحول إلى النقيض تماماً إذا ما شرّعت إيران أبوابها للشركات الأمريكية، ما يجعل من التوازن الأمريكي في السياسة الخارجية المقبلة أمر غير وارد في العلاقة بين الخليج العربي وإيران، مع الأخذ بالاعتبار أطراف دولية أخرى كتركيا وعدائها مع روسيا، والخليج وعدائه مع إيران، ومن جهة أخرى التحالف الإيراني الروسي، فعلى أي الأوتار سيعزف «ترامب» سياسته المقبلة؟ وهل سيضطر ترامب ليشطر بعض الأوتار ودمج بعضها خلافاً لما درج المشهد السياسي عليه لفترة ليست بقصيرة؟ لقد دعم أوباما روسيا بصمته، ويبدو أن العالم مقبل على دعم ترامب لروسيا بفعله، وذلك من خلال الوقوف على ما ذكرته «واشنطن بوست» كذلك حول ترجيح سير ترامب على خطى أوباما في دعم روسيا بدعوى العمل على مواجهة الإرهاب، ولكن ذلك لا يتسق مع القول بدعم تحالف خليجي تركي لأنه بذلك سيكون قد ناصب روسيا وإيران العداء!!* اختلاج النبض:إن ضبابية العلاقات الأمريكية الإيرانية في عهد «ترامب»، تجعل مصير الخليج العربي صعباً، ولأن العرّافات كاذبات وإن صدقن، فعلى الخليج العربي أن يدير مصيره بنفسه، وأن يصنع لنفسه وجوداً مغايراً عمّا كان عليه من قبل، ولعل المزاج الخليجي الوحدوي وترجمته على أرض الواقع هو المخرج الآمن للأزمات المحدقة بالخليج العربي.