يبدو أن المعادلات السياسية والاستراتيجية في المنطقة وفي الوطن العربي تحديداً بعد فوز الرئيس الجمهوري دونالد ترامب قد «تخربطت»، وأصابها الكثير من الغموض والارتباك، لأن لم يكن في متوقع أي حُكم عربي وربما غير عربي أيضاً أن يفوز ترامب. لم يضع بعضهم أدنى شك في أن تفوز كلينتون في انتخابات الرئاسة الأمريكية ولهذا كان من أكبر الأخطاء أن العرب لم يضعوا في حسبانهم أن يفوز ترامب ولو بنِسَبٍ قليلة، ولو كانوا يدركون أن الديمقراطية هي هكذا «لعبة المفاجآت» لأصبحوا أكثر دقة في تحديد البوصلة نحو مستقبلهم مع حليفتهم «الولايات المتحدة الأمريكية». الآن وبعد أن استفاق العالم من صدمة فوز «الرئيس المنبوذ» يجب عليه أن يكون أكثر واقعية في أن ينسجم مع إفرازات الديمقراطية وتقلباتها المزعجة.فاز ترامب، وصرنا جميعاً أمام الأمر الواقع، لكن ما يجب الإجابة عليه هو كيف يمكن لنا ترتيب أوراقنا التي بعثرتها أسوأ المفاجآت؟ بداية يجب أن نستوعب حقيقة مهمة للغاية، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يديرها «رجل» واحد، وإنما تديرها مؤسسات استراتيجية ومجموعات ضغط «ولوبيات» و«مليارديرية» ومنظمات عسكرية وأمنية، ومن يعتقد أن ترامب هو من سيدير الولايات المتحدة الأمريكية بمفرده فهو لم يستوعب حركة الديمقراطية الأمريكية، ولهذا يجب أن نوضح أمراً مهماً وهو على الرغم من فوز «الرئيس المنبوذ» إلا أن القرارات الإستراتيجية بِيَدِ صنَّاع القرار داخل البيت الأبيض الأمريكي الذي يدار عبر شبكات معقدة تنتهي عادة بتقديم المصالح الأمريكية على كافة المصالح الأخرى في العالم.هذا الأمر بقدر ما يشرح الموقف الأمريكي الديمقراطي يوضح لنا في المقابل ما يمكن أن نفْصل فيه ما بين الرئاسة المركزية التي تعشعش في أوهامنا والتي لا تنسجم والحقيقة المتَّسقة مع مفهوم الحريات وصناديق الاقتراع وبين أمريكا الدولة العظمى، فأمريكا ليست دولة مركزية وليست دولة الرجل «الأوحد»، بل هي عبارة عن رجل واحد تديره مؤسسات عميقة وليس العكس، وشتان بين المفهومين. صحيح أن الرئيس الأمريكي له جملة من الصلاحيات الكبيرة لكن يظل في ختام المطاف موظفاً في آلة الرئاسة العملاقة، ومع ذلك يجب على الدول العربية ترتيب كامل أوراقها التي تبعثرت إثر الصدمة المفاجئة التي قادت «ترامب» نحو البيت الأبيض، «فالسَّكرة» ذهبت لكن يجب أن تبقى «الفكرة»، وهي كيفية التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة وكيفية التعامل مع الرئيس الأمريكي المنتخب. لا يمكن للعرب أن يظلوا في منطقة الفراغ السياسي أمام هذه المسألة الشائكة، بل عليهم أن يتعايشوا مع هذا الوضع الحتمي بذكاء خاص، وفي المقابل يجب أن يبحثوا عن حلفاء جدد كما أشرنا لذلك أكثر من مرَّة، وهذا أهم قرار استراتيجي شجاع قد يقود العرب إلى بر الأمان.