تشهد المنطقة العربية جملة من التحولات السياسية والاستراتيجية والعسكرية والأمنية المهمة والحاسمة، ولربما تكون هذه التغيرات تشكِّل خارطة المنطقة ومصير الوطن العربي برمته وكذا تحدد إطارات المستقبل بشكل شبه نهائي. من هذا المنطلق الهام والخطير يجدر على الدول العربية أن تتوحد في مواجهة الزلازل والمتغيرات السياسية والاقتصادية كما يكون لزاماً على كل دولنا العربية أن تتفق فيما بينها على أن تكون في خندق واحد قبل فوات الأوان وقبل أن يأتي الأجنبي من بعيدٍ أو قريب لتحديد مصيرنا بطريقة لا تليق بمجموعنا كدول وكشعوب عربية.الملفت في هذه الأجواء المحمومة والمتغيرات الساخنة هو غياب بعض الدول العربية ذات التأثير الواضح في المنطقة وصيامها عن اتخاذ قرارات حازمة حيال الأحداث التي يشهدها الإقليم وركونها نحو الصمت المطبق في ظل الظروف التي يجب أن تكون هذه الدول العميقة والعريقة أول المتصدِّين لهذا اللغو والفوضى في منطقة الشرق الأوسط لتقول كلمتها.ربما تكون جمهورية مصر العربية من أولى الدول التي تتماهى مع هذه الظاهرة الصامتة والمعنية بحديثنا هذا، فالدور التاريخي المعهود لمصر العربية لا يتسق أو يتناسب مع غياب دورها المحوري فيما يتعلق بقضايا الأمة العربية كما كان يحدث في فترات التاريخ الحديث عندما كانت صمام الأمان إبان المد القومي ومواجهتها للعدوان الإسرائيلي الغاشم، بينما اليوم لا نجد مصر العروبة في مكانها الطبيعي أو في المكان الذي اعتدنا رؤيتها فيه كلما احتاجت إليها بقية الدول العربية في المواقف الصعبة. مصر اليوم تتعرض لمجموعة من الضغوطات الكبيرة من طرف الدول الكبرى لعزلها تماماً عن محيطها العربي كما أنها تتعرض على الدوام لهجمات شرسة من طرف الجماعات المسلحة مما يعني انشغالها بشكل مستمر بتحصين أمنها من الإرهاب والإرهابيين، لكن وحسب قناعاتنا الخاصة نعتقد جازمين أن جمهورية مصر العربية أكبر من أن تنشغل بشأن داخلي أو بمشاغبات دولية، فعمقها التاريخي والحضاري والاستراتيجي يحتم عليها العودة سريعاً لموقعها الطبيعي كما ذكرنا، كما لا يجب أن تشغلها القضايا الداخلية عن تواجدها في قلب الحدث الإقليمي لأجل رسم المستقبل العربي.في المقابل، يجب على الدول العربية أن تكسب مصر إلى جانبها في المعركة الحاصلة وأن تدعمها بشكل مباشر لتعود قوية عزيزة تساند العرب في كل القضايا المصيرية، فلا العرب في غنىً عن مصر ولا مصر تستطيع أن تستغني عن العرب، وإن كانت هنالك بعض الخلافات بينها وبين أشقائها فهذا ليس بالمبرر الكافي أن تحصل القطيعة، فمصر علمتنا ألا تغيب عنَّا وعلمناها أننا معها في كل حين. هكذا يجب أن نكون.